فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)) [الأنبياء : ٨٣ ـ ٨٤].
أنظر ص : ٤١ من التنزيه : ٩٠.
ـ (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧].
[فان قيل :] وما معنى غضبه وعلى من كان غضبه وكيف ظنّ أنّ الله تعالى لا يقدر عليه؟ وذلك مما لا يظنّه مثله ، وكيف اعترف بأنّه من الظالمين والظلم قبيح؟
الجواب : قلنا : أمّا من [ظنّ أنّ] يونس عليهالسلام خرج مغاضبا لربّه من حيث لم ينزل بقومه العذاب ، فقد خرج في الافتراء على الأنبياء عليهمالسلام وسوء الظن بهم عن الحدّ ، وليس يجوز أن يغاضب ربّه إلّا من كان معاديا له وجاهلا بأنّ الحكمة في سائر أفعاله ، وهذا لا يليق بأتباع الأنبياء عليهالسلام من المؤمنين فضلا عمّن عصمه الله تعالى ورفع درجته.
وأقبح من ذلك ظنّ الجهّال وإضافتهم إليه عليهالسلام أنّه ظنّ أنّ ربّه لا يقدر عليه من جهة القدرة الّتي يصحّ بها الفعل ، ويكاد يخرج عندنا من ظنّ بالأنبياء عليهمالسلام مثل ذلك عن باب التمييز والتكليف ؛ وإنّما كان غضبه عليهالسلام على قومه لبقائهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من إقلاعهم وتوبتهم ، فخرج من بينهم خوفا من أن ينزل العذاب بهم وهو مقيم بينهم.
وأمّا قوله تعالى : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ، فمعناه أن لا نضيق عليه المسلك ونشدّد عليه المحنة والتكليف ؛ لأنّ ذلك ممّا يجوز أن يظنّه النبيّ ، ولا شبهة في أن قول القائل قدرت وقدّرت ـ بالتخفيف والتشديد ـ معناه التضييق.
قال الله تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) (١).
__________________
(١) سورة الطلاق ، الآية : ٧.