ويمكن أن يكون ذلك عبارة عن وضوح الأمر في لزوم الحجّة لهم والعلم بما فعلوه وكسبوه ، فعبّر عن قوّة العلم بشهادة الجوارح ، كما يقول العربي : «شهدت عيناك بكذا وأقرّت بأنّك فعلت كذا» ، وإنما يريد العلم الّذي ذكرنا. والله أعلم بمراده.
فأمّا الموازين (١) فذهب قوم إلى أنها عبارة عن العدل والتسوية الصحيحة والقسمة المنصفة ، كما يقولون : «أفعال فلان موزونة» و «كلامه بميزان» ، وهذا الوجه أشبه بالفصاحة.
وذهب قوم آخرون إلى أن المراد به الميزان ذو الكفتين ، وأن الأعمال وان لم توزن في نفسها فالصحف المكتوب فيها هذه الأعمال يصحّ الوزن عليها.
وقيل : يجعل النور في احدى الكفّتين علامة للرجحان ، والظلمة في الأخرى علامة للنقصان.
والوجه في حسن ذلك وحسن ما تقدّمه من شهادة الجوارح ما قدّمنا ذكره في وجه حسن المحاسبة والمواقفة.
وأمّا الصراط فقيل : إنّه طريق أهل الجنّة وأهل النار ، وانه يتّسع لأهل الجنّة ويتسهّل سلوكه لهم ، ويضيق على أهل النار ويشقّ سلوكه حتّى يتعثروا ، ولا يجوز أن يكون شاقّا على الجميع كما يقوله الجهّال.
وقيل أيضا : إنّ المراد به الحجج والأدلّة المفرقة بين أهل الجنّة وأهل النار ، والمميّزة بينهم (٢).
ـ (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) [نور : ٣٢].
[فيها أمران :
الأوّل : قال الناصر رحمهالله :] «الكفاءة معتبرة في النكاح والكفؤ في الدين وفي النسب روايتان» (٣).
__________________
(١) مثل آية ٩ سورة الأعراف.
(٢) الذخيرة : ٥٣٠.
(٣) أفاد في البحر : أنهما قولان للناصر في اعتبار الكفاءة النسب وعدمه ، ٣ : ٤٩.