والسحاب : جمع سحابة ؛ ولهذا قال : (يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) ، أي بين كلّ سحابة وأخرى ، ولو كان هاهنا أيضا اسما للجنس لجاز ؛ لأنّ الجنس يوصل بعضه ببعض ، ويؤلّف بعضه ببعض ؛ وإنّما لا يصحّ ذلك في العين الواحدة.
فأمّا الرّكام فهو الذي جعل بعضه فوق بعض ؛ ومنه قوله تعالى : (سَحابٌ مَرْكُومٌ) (١) ؛ وقوله تعالى (فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) (٢).
فأمّا الودق فهو المطر ؛ يقال ودق يدق ودقا ؛ وكلّ ما قطر منه ماء أو رشح فهو وادق ؛ ويقال : استودقت الفرس والأتان إذا حنّت إلى الفحل واستدعت ماءه ؛ ويقال أيضا : أودقت ؛ وأتان وديق وودوق ؛ إذا أرادت إنزال الفحل الماء فيها.
وخلال الشيء : خروقه وفروجه ؛ وقد قرىء : «من خلله» بغير ألف.
فأمّا قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) فإنّني وجدت جميع المفسّرين على اختلاف عباراتهم يذهبون إلى أنّه أراد أنّ في السماء جبالا من برد ؛ وفيهم من قال : ما قدره قدر جبال ؛ قال : يراد به مقدار جبال من كثرته.
وأبو مسلم بن بحر الأصبهانيّ خاصّة انفرد في هذا الموضع بتأويل طريف ؛ وهو أن قال : الجبال ما جبل الله من برد ، وكلّ جسم شديد مستحجر فهو من الجبال ؛ ألم تر إلى قوله تعالى في خلق الأمم : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) (٣) والناس يقولون : فلان مجبول على كذا.
ووجدت أبا بكر محمّد بن الحسن بن مقسم النحويّ يقول في كتابه المعروف بالأنوار : «وأمّا (مِنْ) الأولى ؛ والثانية فبمعنى حدّ التنزيل ؛ ونسبته إلى الموضع الذي نزّل منه ؛ كما يقال : جئتك بكذا ، ومن بلد كذا ؛ وأمّا الثالثة فبمعنى التفسير والتمييز ، لأنّ الجبال تكون أنواعا في ملك الله تعالى ؛ فجاءت (مِنْ) لتمييز البرد من غيره ؛ وتفسير معنى الجبال التي أنزل منها. وقد يصلح في
__________________
(١) سورة الطور ، الآية : ٤٤.
(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٣.
(٣) سورة الشعراء ، الآية : ١٨٤.