سورة النّحل
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ـ (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [النحل : ٨].
وممّا انفردت به الإمامية ـ وإن كان الفقهاء رووا عن ابن عباس رحمهالله (١) موافقتها في ذلك ـ تحليل لحوم الحمر الأهلية ، وحرّمها سائر الفقهاء (٢) وانتهوا في ذلك إلى أنّ ابن أبي القسم روى عن مالك أنّ الحمار الوحشي إذا استأنس فصار يعمل عليه ، كما يعمل على الحمار الأهلي ، فانه لا يؤكل (٣) ، وإن خالف مالك سائر الفقهاء في ذلك.
دليلنا ـ بعد الاجماع المتردد ـ أنّ الأصل فيما فيه منفعة ولا مضرّة فيه الاباحة ، ولحوم الحمر الأهلية بهذه الصفة ، فان ادّعوا مضرّة آجلة من حيث الحظر لها والنهي عنها ، فانهم يفزعون إلى أخبار آحاد ليست حجة في مثل هذا ، وهي معارضة بأمثالها.
ويمكن أيضا أن يستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الآية (٤).
فإن إحتجوا عليه بقوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) ، وأنّه تعالى أخبر أنّها للركوب والزينة ، لا للأكل. قلنا لهم : قوله تعالى : أنّها للركوب والزينة لا يمنع أن يكون لغير ذلك ، ألا ترى إلى قول القائل : قد أعطيتك هذا الثوب لتلبسه لا يمنع من جواز بيعه له ، وهبته ، والانتفاع به من
__________________
(١) المحلى ، ٧ : ٤٠٧.
(٢) المغني (لابن قدامة) ، ١١ : ٦٥.
(٣) المدونة الكبرى ، ٢ : ٦٤.
(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٤٥.