(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) ، والقادم من سفره متعمّدا للعود يوصف بذلك. ولا على هذا أنه قد يسمّى قادما من سفره وان كان نائما أو مغمى عليه ؛ لأن ذلك مجاز وحقيقته قدم به وأقدم من سفره ، كما يسمّون من سير به ولا يشعر سائرا مجازا ، فنقلوا اسم الفاعل فيه إليه مجازا (١).
ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) [الفرقان : ٣٢].
[سئل] ما القول عنده فيما ذهب إليه أبو جعفر ابن بابويه رضى الله عنه من أنّ القرآن نزل جملة واحدة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أن يعلم به جملة واحدة ، وانصرف على قوله سبحانه : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) الآية ، إلى أنّ العلم به جملة واحدة ، انتفى على الذين حكى الله سبحانه عنهم هذا لا عنه عليهالسلام بقول الله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (٢).
وذلك على مقتضى ثبوت هذه الصفة للعموم المستغرق يدلّ على ما ذهب إليه ، إذ ظاهره أقوى من الظاهر المتقدّم. ولو تكافئا في الظاهر ، لوجب تجويز ما ذهب إليه ، إلّا أن يصرف عنه دليل قاطع يحكم على الآيتين جميعا ، وليس للعقل في ذلك مجال ، فلا بدّ من سمع لا يدخله الاحتمال.
ويلزم تجويز ما ذهب إليه أيضا على مقتضى ثبوت هذه الصورة مشتركة بين العموم والخصوص على سواء.
وقد جاءت روايات إن لم يوجب القطع بهذا الجائز أوجبت ترجيحه ونحوها ، يقتضي أنّ الله سبحانه أنزل القرآن على نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم جملة واحدة ، ثم كان جبرئيل عليهالسلام يأتيه عن الله سبحانه ، بأن يظهر في كلّ زمان ما يقتضيه الحوادث والعبادات المشروعة فيه ، وأشهد على ذلك بقوله تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (٣).
__________________
(١) الذخيرة : ٥٩٤.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٨٥.
(٣) سورة طه : ١١٤.