دلالته على ذلك. وهذه الآية بأن تدلّ على أنّه ما أنزل جملة واحدة أولى ؛ لأنّه تعالى قال : (قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) وهذا يقتضي أنّ في القرآن منتظرا ما قضى الوحي به وقوع منه ، فإنّ نزول ذلك على أنّ المراد به قبل أن يوحى إليك بأدائه ، فهو خلاف الظاهر.
وقد كنا سئلنا إملاء تأويل هذه الآية قديما ، فأملينا فيها مسألة مستوفاة ، وذكرنا عن أهل التفسير فيها وجهين ، وضممنا إليهما وجها ثالثا تفرّدنا به (١).
وأحد الوجهين المذكورين فيها : أنّه كان عليهالسلام إذا نزل عليه الملك بشيء من القرآن قرأه مع الملك المؤدي له إليه قبل أن يستتمّ الأداء حرصا منه عليهالسلام على حفظه وضبطه ، فأمر عليهالسلام بالتثبّت حتى ينتهي غاية الأداء ، لتعلّق الكلام بعضه ببعض.
والوجه الثاني : أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نهي أن يبلغ شيئا من القرآن قبل أن يوحى إليه بمعناه وتأويله وتفسيره.
والوجه الذي انفردنا به : أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نهي عن أن يستدعي من القرآن ما لم يوح إليه به ؛ لأنّ ما فيه مصلحة منه لا بدّ من إنزاله وإن لم يستدع ؛ لأنّه تعالى لا يدخّر المصالح عنهم وما لا مصلحة فيه لا ينزله على كلّ حال ، فلا معنى للاستدعاء ولا تعلّق للآية بالموضع الذي وقع فيه (٢).
ـ (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) [الفرقان : ٤٨].
[فيها أمران :]
[الأوّل : قال الناصر رحمهالله :] «إن وقعت النجاسة في ماء كثير لم ينجس ، ما لم يتغيّر أحد أوصافه ، والكثير ما بلغ قلّتين فصاعدا».
قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة :
فقالت الشيعة الإماميّة : إنّ الماء الكثير لا ينجس بحلول النجاسة فيه إلّا بأن يغيّر لونه أو طعمه أو رائحته.
__________________
(١) تقدّم في سورة طه.
(٢) الرسائل ، ١ : ٤٠١.