ومعلوم أنّ المجاور لمن أكل الثوم يتأذّى برائحته شديدا ، فنهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم آكلها من دخول المساجد ؛ لئلا يؤذّي أهله والمصلّين فيه.
وليس ينافي وصف هذا النبات بأنّه كريم وصفه بأنّه منتن الرائحة ؛ لأنّ معنى كريم أنّه دال على الله تعالى ، وأنّه لطف في مصالح كثيرة دينية ، وهذا المعنى لا ينافي نتن الريح.
ألا ترى أنّ الله قد وصف كلّ ما خلقه بالحسن والتمام والاحكام ، وممّا خلق القرد والخنزير وكثير من الخلق الذي يستقذر ، وذلك لا ينافي الحسن والحكمة وإن نفر كثير من الطباع عنها.
ويمكن وجه آخر : وهو أن يريد بقوله تعالى (كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) الخصوص دون العموم. والوجه الأوّل أقوى (١).
ـ (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣)) [الشعراء : ١٠ ـ ١٣].
فإن قيل : كيف جاز لموسى عليهالسلام وقد قال تعالى : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أن يقول في الجواب : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣)) وهذا استعفاء عن الرسالة.
الجواب : أنّ ذلك ليس باستعفاء كما تضمّنه السؤال ، بل كان عليهالسلام قد أذن له في أن يسأل ضمّ أخيه في الرسالة إليه قبل هذا الوقت ، وضمنت له الإجابة ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) (٢) إلى قوله : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ) (٣) فأجابه الله تعالى إلى مسألته بقوله : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٤). وهذا يدلّ على أنّ ثقته بالإجابة إلى مسألته الّتي قد تقدّمت ، وكان مأذونا له فيها. فقال : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢)
__________________
(١) الرسائل ، ٣ : ١٢٥.
(٢) سورة طه ، الآيتان : ٩ ، ١٠.
(٣) سورة طه ، الآيتان : ٢٩ ـ ٣٠.
(٤) سورة طه ، الآية : ٣٦.