ـ (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [النمل : ١٨].
هذه المسألة تضمّنت الاعتراض على تأويلنا السابق فيما حكاه تعالى عن النملة والهدهد بقوله.
أمّا الكلام فيما يخصّ الهدهد فقد استقصيناه في جواب المسائل الواردة في عامنا هذا ، وأجبنا عن كلّ شبهة ذكرت فيه ، ولا معنى لإعادته (١).
فأمّا الاستبعاد في النملة أن تنذر باقي النمل بالانصراف عن الموضع ، والتعجّب من فهم النملة عن الأخرى ، ومن أن يخبر عنها بما نطق القرآن به ، من قوله : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٢).
فهو في غير موضعه ؛ لأنّ البهيمة قد تفهم عن الأخرى بصوت يقع منها ، أو فعل كثيرا من أغراضها. ولهذا نجد الطيور وكثيرا من البهائم يدعو الذكر منها الأنثى بضرب من الصوت ، يفرق بينه وبين غيره من الأصوات التي لا تقتضي الدعاء.
والأمر في ضروب الحيوانات وفهم بعضا عن بعض مرادها وأغراضها بفعل يظهر أو صوت يقع ، أظهر من أن يخفى ، والتغابي عن ذلك مكابرة.
فما المنكر على هذا أن يفهم باقي النملة من تلك النملة التي حكي عنها ما حكى ، الانذار والتخويف فقد نرى مرارا نملة تستقبل أخرى وهي متوجهة إلى جهة ، فإذا حاذتها وباشرتها عادت عن جهتها ورجعت معها؟
وتلك الحكاية البليغة الطويلة لا تجب أن تكون النملة قائلة لها ولا ذاهبة إليها ، وأنّهما لمّا خوّفت من الضرر الذي أشرف النمل عليه ، جاز أن يقول الحاكي لهذه الحال تلك الحكاية البليغة المرتّبة ؛ لأنّها لو كانت قائلة ناطقة ومخوّفة بلسان وبيان لما قالت إلّا مثل ذلك.
__________________
(١) يعني بذلك جواب المسائل الطرابلسيات الأولى لكنّه مفقود ويأتي في تفسير الآية : ٢٢ الجواب عن اعتراض آخر أورد على ما أجاب به هناك فانتظر.
(٢) سورة النمل ، الآية : ١٨.