دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتكرّر ، قوله تعالى : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) فامتن علينا بأن جعل لنا في ذلك منافع ، ولم يفرّق بين الذكية والميتة ، فلا يجوز الامتنان بما هو نجس لا يجوز الانتفاع به.
وأيضا فإنّ الشعر لا حياة فيه ، ألا ترى أنّ الحيوان لا يألم بأخذه منه كما يألم بقطع سائر أعضائه.
وأيضا لو كان فيه حياة ، لما جاز أخذه من الحيوان في حال حياته والانتفاع به ، كما لا يجوز ذلك في سائر أجزائه.
ويقوّي ذلك ما روي عنه عليهالسلام من قوله : «ما بان من البهيمة وهي حيّة ، فهو ميتة» (١).
والشعر يبين منها في حال حياتها ولا يكون ميتة ؛ لأنّه لو كان ميتة كان بمنزلة سائر أجزائها ، ويمنع الانتفاع به ، وإذا ثبت أنّ الشعر ، والصوف ، والقرن لا حياة فيه لم يحلّه الموت ، وإذا لم يحلّه الموت كانت حياته بعده كحياته قبله.
وليس لهم أن يتعلّقوا بقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (٢) فإنّ اسم الميتة يتناول الجملة بسائر أجزائها ، وذلك أنّ الميتة اسم لما يحلّه الموت ، والشعر لا يحلّه الموت كما لا تحلّه الحياة ، ويخرج عن الظاهر.
وليس لأحد أن يقول : إن الشعر والصوف من جملة الخنزير والكلب ، وهما نجسان.
وذلك أنّه لا يكون من جملة الحيّ إلّا ما تحلّه الحياة ، وما لا تحلّه الحياة ليس من جملته وإن كان متّصلا به (٣).
ـ (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١].
__________________
(١) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ١ : ١٥٠.
(٢) سورة مائدة ، الآية : ٣.
(٣) الناصريات : ١٠٠.