يكون قوله من بعد ذلك : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، أنّه ظنّها أربابا وآلهة؟ وكيف يكون قوله : «إني سقيم»؟ أي لست على يقين ولا شفاء ، والمعتمد في تأويل ذلك ما قدّمناه (١).
ـ (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) [الصافات : ٩٥ ، ٩٦].
فسّر السيّد هاتين الآيتين في موضعيه من كتبه ، لا يخلو ذكرهما معا من فائدة ، وهما كالتالي :
[الأوّل : إن سأل سائل] فقال : أليس ظاهر هذا القول يقتضي أنّه خالق لأعمال العباد ، لأنّ «ما» هاهنا بمعنى «الذي» ؛ فكأنّه قال : خلقكم وخلق أعمالكم.
الجواب : قلنا : قد حمل أهل الحقّ هذه الآية على أنّ المراد بقوله : (وَما تَعْمَلُونَ) أي وما تعملون فيه من الحجارة والخشب وغيرهما ؛ مما كانوا يتخذونه أصناما ويعبدونها.
قالوا : وغير منكر أن يريد بقوله : (وَما تَعْمَلُونَ) ذلك ؛ كما أنّه قد أراد ما ذكرناه بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) لأنّه لم يرد أنّكم تعبدون نحتكم الذي هو فعلكم ؛ بل أراد ما تفعلون فيه النّحت ، وكما قال تعالى في عصا موسى عليهالسلام : (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٢) و (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) (٣) ؛ وإنّما أراد تعالى أنّ العصا تلقف الحبال التي أظهروا سحرهم فيها ، وهي التي حلّتها صنعتهم وإفكهم ؛ فقال : (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) و (ما يَأْفِكُونَ) وأراد ما صنعوا فيه ، وما يأفكون فيه ؛ ومثله قوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) (٤) ؛ وإنّما أراد المعمول فيه دون العمل ؛ [وهذا الاستعمال أيضا سائغ] شائع ؛ لأنّهم يقولون : هذا الباب عمل النّجار. وفي الخلخال : هذا عمل الصائغ ؛ وإن كانت الأجسام التي أشير إليها ليست أعمالا ؛ وإنّما عملوا فيها ؛ فحسن إجراء هذه العبارة.
فإن قيل : كلّ الذي ذكرتموه وإن استعمل فعلى وجه المجاز والاتّساع ؛ لأنّ
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٤٥.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١١٧.
(٣) سورة طه ، الآية : ٦٩.
(٤) سورة سبأ ، الآية : ١٣.