وجواب آخر : انّ هذا خبر يتضمّن الوعيد ، وليس يمتنع أن يتوعّد الله تعالى على العموم. وعلى سبيل الخصوص من يعلم أنّه لا يقع منه ما تناوله الوعيد ، لكنّه لا بدّ من أن يكون مقدورا له وجائزا بمعنى الصحّة لا بمعنى الشكّ ، ولهذا يجعل جميع وعيد القرآن عامّا لمن يقع منه ما تناوله الوعيد ، ولمن علم الله تعالى أنّه لا يقع منه. وليس قوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) على سبيل التقدير والشرط بأكثر من قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ؛ لأنّ استحالة وجود ثان معه تعالى ، إذا لم يمنع من تقدير ذلك ، وبيان حكمه فأولى أن يسوغ تقدير وقوع الشرك الّذي هو مقدور ممكن وبيان حكمه.
والشيعة لها في هذه الآية جواب تنفردّ به وهو أنّ النبيّ لمّا نصّ على أمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام» بالإمامة في ابتداء الأمر جاءه قوم من قريش فقالوا له : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ان الناس قريبوا عهد بالاسلام لا يرضون أن تكون النبوّة فيك والإمامة في ابن عمّك عليّ بن أبي طالب ، فلو عدلت به إلى غيره لكان أولى ، فقال لهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما فعلت ذلك برأيي فأتخيّر فيه ، لكنّ الله تعالى أمرني به وفرضه علي ، فقالوا له : فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربّك تعالى فأشرك معه في الخلافة رجلا من قريش تركن الناس إليه ، ليتمّ لك امرك ولا يخالف الناس عليك ، فنزلت الآية. والمعنى فيها : «لئن أشركت مع علي في الامامة غيره ليحبطنّ عملك».
وعلى هذا التأويل فالسؤال قائم ؛ لأنّه إذا كان قد علم الله تعالى أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يفعل ذلك ولا يخالف أمره لعصمته ، فما الوجه في الوعيد؟ فلا بدّ من الرجوع إلى ما ذكرناه (١).
[انظر أيضا هود : ١١٤ من الذخيرة : ٣١١].
ـ (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر :
٦٧].
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٦٧.