وثالثها : أنّ ما لم يكن من دعائهم مسألة وطلب ، وأنّ الإجابة له الإنابة عليه ، لمكان الانقطاع والخضوع والتعليم والأداء ، فلمّا كان مثمرا لغاية المنافع واجلها كان مستجابا ؛ لأنّ معنى الإجابة حصول النفع ودفع الضرر لأجل الدعاء.
فقد ثبت بهذه الوجوه الجواب عمّا تضمّنه السؤال والزيادات فيه. والحمد لله ربّ العالمين (١).
ـ (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ...) [غافر : ٦٠].
اعلم أن الدعاء هو طلب الداعي الشيء من غيره.
ويمضى في الكتب أنه يقتضي الرتبة ، وأن يكون المدعو أعلى رتبة من الداعي ، بعكس الأمر. وليس الأمر على ذلك ؛ لأنهم يسمّون السيّد داعيا لعبده إلى سقيه الماء وغيره ممّا يأمر به ، ويقولون : إنّ الله تعالى دعانا إلى عبادته وطاعته ، فبطل اعتبار الرتبة.
لكن قد حصل في إطلاق لفظة «الدعاء» أنه يختصّ بالطلب من الله تعالى دون غيره ، وان كان التقييد يخالف ذلك ؛ لأنهم يقولون : «في هذا الدفتر دعاء» إذا اختصّ بمسألة الله تعالى ولا يقولون ذلك في غيره ، كما اختصّت لفظة «القرآن» بكتاب الله تعالى وان كان أصل اشتقاقها من الجمع المشترك المعنى.
وإنّما سمّوا تمجيد الله تعالى وتسبيحه «دعاء» ؛ لأن المقصد بذلك طلب الرحمة والمغفرة ، ولأنه لا يخلو في الأكثر من مسألة وطلب ، والدعاء إنّما يكون كذلك بالارادة كالأمر.
ومن شرط حسن الدعاء أن يعلم الداعي كون ما يطلب بدعائه مقدورا لمن يدعوه ، وذلك يقتضي في من دعا الله تعالى أن يعرفه جلّ وعزّ بصفاته وقدرته وحكمته.
__________________
(١) الرسائل ، ٣ : ٢٠٩.