سورة الجاثية
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ـ (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [الجاثية : ٢٤].
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «لا تسبّوا الدّهر ، فإنّ الدّهر هو الله». وقد ذكر قوم في تأويل هذا الخبر أنّ المراد به لا تسبّوا الدهر ، فإنّه لا فعل له ، وإنّ الله مصرّفه ومدبّره ، فحذف من الكلام ذكر المصرّف والمدبّر وقال : «هو الدهر».
وفي هذا الخبر وجه هو أحسن من ذلك الذي حكيناه ، وهو أنّ الملحدين ، ومن نفي الصانع من العرب كانوا ينسبون ما ينزل بهم من أفعال الله كالمرض والعافية ، والجدب والخصب ، والبقاء والفناء إلى الدّهر ، جهلا منهم بالصّانع جلّت عظمته ، ويذمّون الدهر ويسبّونه في كثير من الأحوال ، من حيث اعتقدوا أنّه الفاعل بهم هذه الأفعال ، فنهاهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذلك وقال لهم : لا تسبّوا من فعل بكم هذه الأفعال ممّن تعتقدون أنّه الدّهر ، فإنّ الله تعالى هو الفاعل لها. وإنّما قال : إنّ الله هو الدّهر من حيث نسبوا إلى الدّهر أفعال الله ؛ وقد حكى الله تعالى سبحانه عنهم قولهم : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ). وقال لبيد :
في قروم سادة من قومه |
|
نظر الدّهر إليهم فابتهل (١) |
__________________
(١) ديوانه : ٨٠. وفي حاشية بعض النسخ : «قروم ، جمع قرم ؛ وهو سيد وشريف وكريم ؛ وابتهل ؛ من المباهلة ، أي تضرع وذل».