ورابعها : أن يكون معنى مسحور أي ساحر ، وقد جاء لفظ مفعول بمعنى فاعل ؛ قال الله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (١) ، أي ساترا ، والعرب تقول للمعسر : ملفج ، ومعناه ملفج ؛ لأنّ ماضيه ألفج ، فجاؤوا بلفظ المفعول وهو الفاعل ؛ ومن ذلك قولهم : فلان مشؤوم على فلان وميمون ؛ ويريدون شائم ويامن ؛ لأنّه من شأمهم ويمنهم.
ورأيت بعض العلماء يطعن على هذا الاستشهاد الأخير فيقول : العرب لا تعرف «فلان مشؤوم على فلان» ؛ وإنّما هذا من كلام أهل الأمصار ؛ وإنّما تسمّي العرب من لحقه الشؤم مشؤوما ؛ قال علقمة بن عبدة :
ومن تعرّض للغربان يزجرها |
|
على سلامته لا بدّ مشؤوم (٢) |
والوجوه الثلاثة الأول أوضح وأشبه (٣).
ـ (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٤٨].
إن سأل سائل فقال : بم تدفعون من خالفكم في الاستطاعة ، وزعم أن المكلّف يؤمر بما لا يقدر عليه ولا يستطيعه إذا تعلّق بقوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) فإنّ الظاهر من هذه الآية يوجب أنّهم غير مستطيعين للأمر الذي هم غير فاعلين له ، وأنّ القدرة مع الفعل. وإذا تعلّق بقوله تعالى : في قصة موسى عليهالسلام : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (٤) ؛ وأنّه نفى أن يكون قادرا على الصبر في حال هو فيها غير صابر ؛ وهذا يوجب أنّ القدرة مع الفعل. وبقوله تعالى : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (٥).
الجواب : يقال له : أوّل ما نقوله : إنّ المخالف لنا في هذا الباب في الاستطاعة لا يصحّ له فيه التعلّق بالسمع ؛ لأنّ مذهبه لا يسلم معه صحّة السمع ،
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ٤٥.
(٢) ديوانه : ١٣١ ، المفضليات : ١٢٠ (طبعة المعارف).
(٣) الأمالي ، ١ : ٥٤٢.
(٤) سورة الكهف ، الآية : ٦٧.
(٥) سورة هود ، الآية : ٢٠.