وليس لأحد أن يقول : إن الفناء هاهنا ليس هو العدم وإنّما هو التفريق وتشذّب الأجزاء ، كما قال الشاعر :
يا ابنى أميّة انّي عنكما غان |
|
وما الغنا غير أنّي مرتعش فان |
والجواب عن ذلك : ان إطلاق لفظ «الفناء» يقتضي العدم إنّما يستفاد به غيره في بعض الأماكن استعارة وتشبيها ، وإنّما أراد الشاعر أنني مقارب للفناء ومشرف عليه ، كما يقال في الشيخ الهرم : «إنه ميّت» ، وهذه عادة للعرب معروفة.
ويمكن أيضا أن يريد بقوله : «إنّني فاني القدرة والمنّة» وما أشبه ذلك ، فحذف للاختصار.
ولو لم يدلّ على أن المراد بالفناء في الآية العدم إلّا في قوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) لكفى وأغنى (١).
ـ (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد : ١٠].
أنظر النور : ٥٥ من الشافي ، ٤ : ٣٦ و ٤٥.
ـ (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) [الحديد : ١٥].
أنظر المائدة : ٦٧ من الشافي ، ٢ : ٢٥٨.
ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ...) [الحديد : ١٩].
أنظر النساء : ١١٥ من الشافي ، ١ : ٢١٦.
__________________
(١) الذخيرة : ١٤٥.