سورة الحشر
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ـ (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [الحشر : ٢].
[استدلّ بهذه الآية بان السمع قد ورد بالتعبد بالقياس] قالوا : والاعتبار هو المقايسة ؛ لأنّ الميزان يسمّى معيارا من حيث يتبيّن به مساواة الشيء لغيره. وبما روي عن ابن عبّاس من قوله في الأسنان : «اعتبروا حالها بالأصابع الّتي ديتها متساوية».
وربّما استدلّوا بالآية على وجه آخر فقالوا : قد دلّ تعالى بهذه الآية على أنّ المشاركة في العلّة تقتضي المشاركة في الحكم ، وذلك انّه تعالى ذكر ما حلّ بهم ، ونبّه ، على علّته وسببه ، ثمّ أمر بالاعتبار ، وذلك تحذير من مشاركتهم في السبب ، فلو لم تكن المشاركة في السبب تقتضي المشاركة في الحكم ، ما كان للقول معنى (١).
[يقال لهم :] ما تنكرون أن يكون لفظ الاعتبار لا يستفاد منه الحكم بالقياس ، وإنّما يستفاد به الاتّعاظ والتدبّر والتفكّر ، وذلك هو المفهوم من ظاهره وإطلاقه ؛ لأنّه لا يقال لمن يستعمل القياس العقليّ : إنّه معتبر ، كما يقال فيمن يتفكّر في معاده ويتدبّر أمر منقلبه ويتّعظ بذلك : إنّه معتبر وكثير الاعتبار ، وقد يتقدّم بعض الناس في العلوم وإثبات الأحكام من طرق القياس ، ويقلّ تفكّره في
__________________
(١) الذريعة ، ٢ : ٧١٠.