وليس لهم أن يتأوّلوا الفقراء هاهنا على أن المراد به الفقر إلى الله دون ما يرجع إلى الأموال ؛ لأن الظاهر من لفظ الغني والفقير ينبىء عن معنى الأموال دون غيرها. وإنّما يحملان على ذلك بدليل يقتضي العدول عن الظاهر ، وما قلناه في الآية [١٨ من سورة الفتح] من أن الألف واللام لا يقتضيان الاستغراق على كلّ حال يطعن أيضا على معتقدهم في هذه الآية ، وبعد فإن سياق الآية يخرج ظاهرها عن أيديهم ويوجب الرجوع عليهم إلى غيرها ؛ لأنّ الله تعالى قال : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) فوصف بالصدق من تكاملت له الشرائط ، ومنها ما هو مشاهد كالهجرة والإخراج من الديار والأموال ، ومنها ما هو باطن لا يعلمه إلا الله تعالى وهو ابتغاء الفضل والرضوان من الله ونصرة الرسول والله تعالى ؛ لأنّ المعتبر في ذلك ليس بما يظهر بل بالبواطن والنيّات ، فيجب على الخصوم أن يثبتوا اجتماع هذه الصفات في كلّ واحد من الذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأموالهم ، ولا بدّ في ذلك من الرجوع إلى غير الآية (١).
ـ (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) [الحشر : ١٠].
[نقل القاضي استدلال واصل بن عطاء بهذه الآية على بطلان طريقة الإمامية في سوء الثناء على بعض الصحابة.
قال السيّد :] لا حجّة فيه لأنّه علّق المغفرة بالسبق إلى الإيمان وهذا شرط يحتاج إلى دليل في إثباته للجماعة ، ومع هذا فهو سؤال وليس كلّ سؤال يقتضي الإجابة (٢).
ـ (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠)) [الحشر : ٢٠].
__________________
(١) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ١٨.
(٢) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ٢٠.