قلنا : عن هذا السؤال جوابان : أحدهما : أنّه تعالى لمّا بشّره بأنّه يعلي دينه على الدين كلّه ويظهره عليه ويشفي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أعدائه غيظه ، وغيظ المؤمنين به ، كان بذلك واضعا عنه ثقل غمّه بما كان يلحقه من قومه ، ومطيّبا لنفسه ومبّدلا عسره يسرا ؛ لأنّه يثق بأنّ وعد الله تعالى حقّ لا يخلف ، فامتنّ الله تعالى عليه بنعمة سبقت الامتنان وتقدّمته.
والجواب الآخر : أن يكون اللفظ وإن كان ظاهره الماضي ، فالمراد به الاستقبال ؛ ولهذا نظائر كثيرة في القرآن والاستعمال ؛ قال الله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) (١) وقوله تعالى : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) (٢) ، إلى غير ذلك ممّا شهرته تغني عن ذكره (٣).
ـ (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦)) [الشرح : ٥ ، ٦].
اعلم أنّ الصحيح هو أنّ الأمر إذا تكرّر ، فالظاهر يقتضي تناول الثاني لغير ما تناوله الأوّل (٤).
فأمّا قول من يشترط في تغاير متناول الأمر المتكرّر ألّا يكون الأمر الأوّل يتناول الجنس أو العهد ، وادّعى أنّ الجنس يقتضي الاستغراق ، فلا يجوز أن يفضل منه ما يتناوله الأمر الثاني ، وأنّ العهد يقتضي صرف مقتضى الثاني إلى مقتضى الأوّل ، فليس بصحيح ؛ لأنّ القائل إذا قال إفعل الضرب ، وكرّر ذلك ؛ فإنّ قوله الأوّل يحتمل أن يريد به الاستغراق للجنس ، ويحتمل أيضا أن يريد به بعض الجنس ، والظاهر من تغاير الأمرين تغاير مقتضاهما ، حتّى يكون كلّ واحد منهما مفيدا لما لا يفيده الآخر ، وأمّا العهد ، فإن كان بين المتخاطبين ، وعلم المخاطب أنّ المخاطب أراد الأوّل ، بعرف ، أو عادة ، حملناه على ذلك ضرورة ، ولقيام الدلالة ، فأمّا مع الإطلاق ، فيجب حمل الثاني على غير مقتضى الأوّل.
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٥٠.
(٢) سورة الزخرف ، الآية : ٧٧.
(٣) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٦١.
(٤) الذريعة ، ١ : ١٢٥.