العرب لا يميلون هذه الفتحة ، وأمّا من أمال الجميع فوجه قوله أن ينحو بالألف نحو الياء ، ليعلم أنّها تنقلب إلى الياء ، وأمّا قراءة أبي عمرو بإمالة الأولى وفتح الثانية فوجه قوله أنّه جعل الثانية أفعل من كذا مثل أفضل من فلان ، وإذا جعلها كذلك لم تقع الألف في آخر الكلمة ؛ لأنّ آخرها إنّما هو من كذا وإنّما تحسن الإمالة في الأواخر ، وقد حذف من «أفعل» الذي هو للتفضيل الجارّ والمجرور جميعا ، وهما مرادان في المعنى مع الحذف ، وذلك نحو قوله تعالى : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (١) ؛ المعنى وأخفى من السرّ ، فكذلك قوله تعالى : (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) ، أي أعمى منه في الدنيا ، أو أعمى من غيره ، ويقوّي هذه الطريقة ما عطف عليه من قوله تعالى : (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) ، فكما أنّ هذه لا يكون إلّا على «أفعل من كذا» كذلك المعطوف عليه (٢).
ـ (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) [اسراء : ٧٨].
[فيها أمران : الأوّل : قال الناصر رحمهالله :] «للمغرب وقتان كسائر الصلوات».
عندنا أنّ أوّل وقت المغرب مغيب الشمس ، وآخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة ، وروي ربع اللّيل ، وحكى بعض أصحابنا : أنّ وقتها يمتدّ إلى نصف اللّيل ... (٣) وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمّد ، ومالك ، والثوري ، وابن حيّ : لصلاة المغرب أوّل وآخر كسائر الصلوات (٤).
وقال الشافعي : ليس للمغرب إلّا وقت واحد (٥).
دليلنا بعد الاجماع المتقدّم ، قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) وقيل في الدلوك : إنّه الزوال ، وقيل : إنّه الغروب ؛ وهو عامّ لهما جميعا ، فحصل : وقت المغرب ممتدّ إلى غسق اللّيل ، والغسق اجتماع الظلمة ، وإذا ثبت
__________________
(١) سورة طه ، الآية : ٧.
(٢) الأمالي ، ١ : ١٠٨.
(٣) مختلف الشيعة ، ٢ : ٢٠.
(٤) المجموع ، ٣ : ٣٤.
(٥) الأم ، ١ : ٩٢.