وقد يكون هذا الاستثناء غير معتدّ به في كونه كاذبا أو صادقا ؛ لأنّه في الحكم كأنّه قال : لأفعلنّ كذا إذ وصلت إلى مرادي مع انقطاعي إلى الله تعالى وإظهاري الحاجة إليه ؛ وهذا الوجه أيضا ممّا يمكن في تأويل الآية.
ومن تأمّل جملة ما ذكرناه من الكلام عرف منه الجواب عن المسألة التي لا يزال يسأل عنها المخالفون من قولهم : لو كان الله تعالى إنّما يريد العبادات من الأفعال دون المعاصي لوجب إذا قال من لغيره عليه دين طالبه به : «والله لأعطينّك حقّك غدا إن شاء الله» أن يكون كاذبا أو حانثا إذا لم يفعل ؛ لأنّ الله تعالى قد شاء ذلك منه عندكم ، وإن كان لم يقع فكان يجب أن تلزمه الكفّارة ؛ وأن لا يؤثر هذا الاستثناء في يمينه ، ولا يخرجه عن كونه حانثا ؛ كما أنّه لو قال : والله لأعطينّك حقّك غدا إن قدم زيد فقدم ولم يعطه يكون حانثا ؛ وفى إلزام هذا الحنث خروج عن إجماع المسلمين ، فصار ما أوردناه جامعا لبيان تأويل الآية ، وللجواب عن هذه المسألة ونظائرها من المسائل ، والحمد لله وحده (١).
ـ (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف : ٢٩].
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
ـ (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً ...) [الكهف : ٣٣].
أنظر ص : ٢١ ، ٢٤ من التنزيه : ١٢٦.
ـ (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) [الكهف : ٣٧].
أنظر التوبة : ٤٠ من الشافي ، ٤ : ٢٥.
ـ (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ...) [الكهف : ٥٣].
أنظر ص : ٢١ ، ٢٤ من التنزيه : ١٢٦.
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ١٠٤.