الوجه يخاف ممّا هو الغرض في بعثته. والقسم الثاني فاسد أيضا ؛ لأن هذا العلم المخصوص إنّما يستفاد من جهته ويوقف عليه باطلاعه وإعلامه ، وليس هو ممّا يجب نشره في جميع الناس ، فقد كان يجب إذا خاف من إلقائه إلى بعض الناس فسادا أن لا يلقيه إليه ؛ فإن ذلك في يده ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك ، وممّا يدلّ على أن الأنبياء عليهمالسلام يورثون قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (١) والظاهر من إطلاق لفظ الميراث يقتضي الأموال وما في معناها على ما دلّلنا عليه من قبل ، ويدل أيضا على ذلك قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٢) الآية وقد أجمعت الأمّة على عموم هذه اللفظة إلّا من أخرجه الدليل ، فيجب أن يتمسّك بعمومها لمكان هذه الدلالة ، ولا يخرج عن حكمها إلّا من أخرجه دليل قاطع (٣).
ـ (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) [مريم : ٢٣].
ومعلوم أن ذلك لم يكن منها على سبيل التوبة من قبيح ، وأنها خافت الضرر العاجل بالتهمة (٤).
ـ (يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)) [مريم : ٢٨ ـ ٢٩].
[إن سأل سائل] فقال : من هارون الذي نسبت مريم إلى أنّها أخته؟ ومعلوم أنّها لم تكن أختا لهارون أخي موسى. وما معنى (مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) ، ولفظة «كان» تدلّ على ما مضى وعيسى عليهالسلام في حال قولهم ذلك كان في المهد؟.
الجواب : قلنا : هارون الذي نسبت إليه مريم قد قيل فيه أقوال :
منها : أن هارون المذكور كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والشرّ وفساد
__________________
(١) سورة النمل ، الآية : ١٦.
(٢) سورة النساء ، الآية : ١١.
(٣) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ٦٣.
(٤) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ٣٦٠.