القوم شاهدوا من آثار علمه وحكمته تعالى ما شاهدوا ، فأخبرهم تعالى أنّه لم يزل عليما حكيما ، أي فلا تظنّوا أنّه استفاد علما وحكمة لم يكن عليهما.
وممّا يقوي مذهب من وضع لفظة الماضي في موضع الحال والاستقبال قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) (١) وقوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) (٢) ؛ وقولهم في الدعاء : غفر الله لك ، وأطال بقاك! وما جرى مجرى ذلك.
ومعنى الكلّ يفعل الله ذلك بك ؛ إلّا أنّه لمّا أمن اللبس وضع لفظ الماضي في موضع المستقبل ، قال الشاعر :
فأدركت من قد كان قبلي ولم أدع |
|
لمن كان بعدي في القصائد مصعدا |
أراد لمن يكون بعدي.
وممّا جعلوا فيه المستقبل في موضع الماضي قول الصّلتان العبديّ يرثي المغيرة بن المهلّب :
قل للقوافل والغزاة إذا غزوا |
|
والباكرين وللمجدّ الرّائح |
إنّ الشّجاعة والسّماحة ضمّنا |
|
قبرا بمرو على الطّريق الواضح |
فإذا مررت بقبره فأعقر به |
|
كوم الجلاد وكلّ طرف سابح |
وانضح جوانب قبره بدمائها |
|
فلقد يكون أخا دم وذبائح |
معناه : فلقد كان كذلك (٣).
ـ (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [مريم : ٣٨].
[إن سأل سائل] فقال : ما تأويل هذه الآية؟ فإن كان المراد بها التعجّب من قوّة أسماعهم ونفاذ أبصارهم ؛ فكيف يطابق ما خبّر به عنهم في مواضع كثيرة من الكتاب بأنّهم لا يبصرون ولا يسمعون وأنّ على أسماعهم وأبصارهم غشاوة؟
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ١١٠.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ٤٤.
(٣) الأمالي ، ٢ : ١٧٠.