إلى أنّ الحين يقع على الأبد (١) ، وقال مالك : الحين سنة واحدة (٢) ، والذي يجب تحقيقه : أنّ هذا القائل إذا كان عني بالحين زمانا بعينه فهو على ما نواه ، وإن أطلق القول عاريا من نيّة كان عليه ستة أشهر.
دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المتردد ، وإذا كان إسم الحين يقع على أشياء مختلفة فيقع على الزمان ، كما في قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (٣) وإنّما أراد زمان الصباح والمساء كلّه ، ورأيت بعض متقدّمي أصحاب أبي حنيفة (٤) يحمل هذه الآية على أنّ المراد بها ساعة واحدة ، فكأنّه قال : سبحانه ساعة تمسون وساعة تصبحون ، وهذا غلط فاحش منه لا يخفى ، ومما يقع عليه أيضا إسم الحين أربعون سنة ، قال الله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (٥) ، فذكر المفسّرون (٦) أنّه تعالى أراد أربعين سنة ، ويقع أيضا إسم الحين على وقت مبهم ، قال الله تعالى : (فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (٧) ، ويقع على ستة أشهر ، قال الله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها).
وروي عن ابن عباس أنّ المراد بذلك ستة أشهر (٨) ، وقال غير ابن عباس سنة (٩) ، ومع اشتراك اللفظ لا بدّ من دلالة في حمله على البعض ، ولمّا نقلت الإمامية عن أئمتهم أنّه ستة أشهر ، وأجمعوا عليه كان ذلك حجّة في حمله على ما ذكرناه ، وأبو حنيفة مع إعترافه باحتمال اللفظ للمعاني المختلفة كيف حمله على ستة أشهر بغير دليل مرجح؟ واللفظ يحتمل ذلك ويحتمل غيره ، وكذلك مالك ، وأمّا الشافعي فهو أعذر منهما ؛ لأنّه لمّا رأى الاشتراك حمله على التأبيد (١٠).
ـ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) [إبراهيم : ٣٠].
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
__________________
(١) المغني (لابن قدامة) ، ١١ : ٣٠٢.
(٢) نفس المصدر.
(٣) سورة الروم : الآية ، ١٧.
(٤) أحكام القرآن ، ٣ : ١٩٢.
(٥) سورة الإنسان ، الآية : ١.
(٦) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٣ : ١٨٢.
(٧) سورة الصافات ، الآية : ١٤٨.
(٨) نفس المصدر ، ٣ : ١٨٣.
(٩) نفس المصدر ، ٣ : ١٨٣.
(١٠) الانتصار : ١٦٠.