ـ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ...) [إبراهيم : ٣٤].
أنظر المائدة : ٦٠ من الأمالي ، ٢ : ١٦١.
ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) [إبراهيم : ٣٥].
إذا كان من مذهبكم انّ دعاء الأنبياء عليهالسلام لا يكون إلّا مستجابا ، وقد دعا إبراهيم عليهالسلام ربّه فقال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ). وقد عبد كثير من بنيه الأصنام وكذلك السؤال عليكم في قوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) (١).
الجواب : قيل له أمّا المفسرون فإنّهم حملوا هذا الدعاء على الخصوص وجعلوه متناولا لمن أعلمه الله تعالى أنّه يؤمن ولا يعبد الأصنام حتّى يكون الدعاء مستجابا ، وبيّنوا أن العدول عن ظاهره المقتضي للعموم إلى الخصوص بالدلالة واجب ، وهذا الجواب صحيح.
ويمكن في الآية وجه آخر : وهو أن يريد بقوله : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) أي افعل بي وبهم من الألطاف ما يباعدنا عن عبادة الاصنام ويصرف دواعينا عنها. وقد يقال فيمن حذر من الشيء ورغب في تركه وقويت صوارفه عن فعله : إنّه قد جنبه. ألا ترى أنّ الوالد قد يقول لولده إذا كان قد حذّره من بعض الأفعال وبيّن له قبحه وما فيه من الضرر ، وزيّن له تركه وكشف له عما فيه من النفع : انّني قد جنّبتك كذا وكذا ومنعتك منه ، وإنّما يريد ما ذكرناه.
وليس لأحد أن يقول : كيف يدعوا إبراهيم عليهالسلام بذلك وهو يعلم أنّ الله تعالى لا بدّ أن يفعل هذا اللطف المقوّي لدواعي الإيمان ؛ لأنّ هذا السؤال أوّلا يتوجّه على الجوابين جميعا ؛ لأنّه تعالى لا بدّ أن يفعل هذا للّطف الّذي يقع الطاعة عنده لا محالة ، كما لا بدّ أنّ يفعل ما يقوّي الدواعي إلى الطاعات.
والجواب عن هذه الشبهة : أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يمتنع أن يدعو بما يعلم أن الله
__________________
(١) سورة إبراهيم ، الآية : ٤٠.