في الجنّة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة ، فمتى تناول منها تغيّرت الحال في المصلحة وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة. وكذلك القول في سلب اللباس حتّى يكون نزعه بعد التناول من الشجرة هو المصلحة كما كانت المصلحة في تبقيته قبل ذلك ، وإنّما وصف إبليس بأنّه مخرج لهما من الجنّة من حيث وسوس إليهما وزيّن عندهما الفعل الّذي يكون عنده الاخراج ، وإن لم يكن على سبيل الجزاء عليه لكنّه يتعلّق به تعلّق الشرط في مصلحته ، وكذلك وصف بأنّه مبدىء لسوآتهما من حيث أغواهما ، حتّى أقدما على ما سبق في علم الله تعالى بأنّ اللباس معه ينزع عنهما ، ولا بدّ لمن ذهب إلى أنّ معصية آدم عليهالسلام صغيرة لا يستحقّ بها العقاب من مثل هذا التأويل ، وكيف يجوز أن يعاقب الله تعالى نبيّه بالاخراج من الجنة أو غيره من العقاب ، والعقاب لا بدّ من أن يكون مقرونا بالاستخفاف والاهانة؟ وكيف يكون من تعبّدنا الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل مستحّقا منا ومنه تعالى الاستخفاف والاهانة؟ وأيّ نفس تسكن إلى مستخفّ بقدره مهان موبّخ مبكت؟ وما يجيز مثل ذلك على الأنبياء عليهالسلام إلّا من لا يعرف حقوقهم ولا يعلم ما تقضيه منازلهم (١).
ـ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦)) [طه : ١٢٤ ـ ١٢٦]
أنظر الإسراء : ٧٢ من الأمالي ، ١ : ١٠٨.
ـ (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [طه : ١٢٩].
[ان سأل سائل فقال : ما معنى هذه الآية].
الجواب : معنى هذه الآية أنّه لو لا ما أخبر الله تعالى به وخبّر به من الآجال التي تبقي عباده إليها ، لكان الهلاك الذي قد تقدّم ذكره ، وأنّ الله تعالى أوقعه بالأمم السالفة.
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٢٤.