والآية الحادية عشرة لفتت الأنظار إلى مسألة خلق الأرض ومن ثم خلق الإنسان الذي يعتبر خلقة عالَماً عظيماً مليئاً بالضجيج رغم صغر حجمه ، وأنبّت الذين لا يبصرون رغم أنّهم قادرون على الإبصار بخطاب «أفلا يبصرون».
(ينبغي الالتفات إلى أنّ «البصيرة» جاءت من مادة «بصر» الذي يعني «العين» إنّ «بصر العين» ، ورغم استعمالها بمعنى «النظر» و «الرؤية» إلّاأنّها تختلف عنهما بالتأكيد على عضو البصر وقوته ، لكنها كالمفردتين السابقتين قد تستعمل بمعنى المشاهدة الباطنية والفكر).
وأخيراً ، فإنّ الآية الثانية عشرة تؤكد على الأعضاء الثلاثة أى الأذن والعين والقلب والتي تعتبر ثلاثة أعضاء أساسية للمعرفة وهذا دليل واضح على اعتبار المشاهدة والحس من المصادر الأساسية للمعرفة.
النتيجة :
إنّ الآيات السابقة والتي غالباً ما تحدثت عن قضية التوحيد ومعرفة الله ، أمرت الناس بأن يفتحوا أعينهم أثناء سلوك طريق المعرفة والتوحيد من أجل الوصول إلى الهدف ، عندها سيرون اسم «الله» على جبين كل موجود في هذا العالم ، ويشاهدون الأنظمة الدقيقة والغريبة التي تتحكم بالعالم ، ومن ثم يصلون ـ بواسطة برهان النظم ـ لا إلى معرفة ذات الله فحسب ، بل صفاته وتوحيده وتدبيره وقدرته وعلمه اللامتناهي.
وبالنظر إلى أنّ أهم مسألة في الإسلام هي مسألة التوحيد ومعرفة الله ، وأنّ أهم دليل في القرآن على المعرفة هو برهان النظم ، وأهم منبع لبرهان النظم هو الطبيعة والمخلوقات فمن هنا تتضح أهميّة الحس والمشاهدة والتجربة من وجهة نظر القرآن الكريم.
وقد استعان القرآن كثيراً ب «المشاهدة الحسية» ليس في مسألة التوحيد فحسب بل في مسألة المعاد أي ثاني أهم مسألة في الإسلام أيضاً ، وقد صوّر لنا لقطات من المعاد بالاستعانة بنفس الطبيعة المشهودة لنا ، كما جاء ذلك في سورة (ق) حيث يقول تعالى :