استعمل «الفكر» ، وعند البحث عن أمرٍ خفي ومعرفته بالاستعانة بأمرٍ محسوس استعمل «الفقه» ، وعند البحث عن الخبرة المقترنة بالحفظ والحضور بالبال استعمل «الذكر» ، وعلى هذا السياق تستعمل كل مفردة في محلها وكل لفظ في مقامه.
وينبغي الالتفات هنا إلى هذه النقطة وهي أنّ التعبيرات التي استعملت في القرآن لبيان مهام العقل لها مراحل ورتب ، تبدأ ب «الشعور» ويراد منه الإدراك البسيط ، ثم مرحلة «الفقه» والذي يعني إدراك المسائل الخفية من المسائل الجليّة ، وبعدها تأتي مرحلة «الفكر» ويُراد منه التحليل العقلي ، ثم تأتي مرحلة «الذكر» أي الحفظ في الذهن والحضور في البال ، ثم مرحلة «النُهى» التي تعني الإدراك العميق لحقائق الامور ، وتنتهي هذه المراحل بمرحلة «البصيرة» التي تعني النظر الذهني العميق.
وهذا هو معنى البلاغة والفصاحة!
* *
جمع الآيات وتفسيرها
قيمه العقل في مقياس القرآن :
إنَّ أول آية تناولناها بالبحث هنا تؤكد بان الهدف من نزول الآيات هو العقل والتفكير لدى الإنسان ، وتكشف عن هذه الحقيقة بالتعبير ب (لعلَّ) التي تفيد بيان الهدف في موارد كهذا المورد.
وقد أكدت بعض الآيات على هذا الموضوع وذهبت إلى ابعد من ذلك حيث وبّخت الناس على عدم تفكرهم وتعقلهم وآخذتهم بعبارةٍ كهذه : (أَفَلَا تْعقِلُونَ) (١).
وقد تكرر هذا المضمون بصيغة جملة شرطية ، حيث يقول تعالى : (قَدْ بَيَّنَا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ). (آل عمران / ١١٨)
__________________
(١). آل عمران ، ٦٥ ؛ الأنعام ، ٣٢ ؛ الاعراف ، ١٦٩ ؛ يونس ، ٦١ ؛ هود ، ٥١ ؛ يوسف ، ١٠٩ ؛ الأنبياء ، ١٠ و ٦٧ ؛ المؤمنون ، ٨٠ ؛ القصص ، ١٠ ؛ الصافات ، ١٣٨.