توضيحات
١ ـ الإدراكات العقلية برؤية فلسفية
بالرغم من أنّ أغلب الفلاسفة يعتبرون الإدراك العقلي أحد المصادر المهمّة للعلم والمعرفة ، إلّاأنّ الفلاسفة الحسيّين يخالفون هذا الأمر ، ولا يعيرون للإدراكات العقلية أهميّة واعتباراً ـ كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ـ ويحصرون طرق المعرفة بالتجارب الحسية متذرّعين بالحجج الواهية الآتية :
١ ـ اختلاف الفلاسفة في المسائل العقلية ، فإنّ كلَّ طائفة منهم قدّمت أدلة ظاهرها يوحي بأنّها منطقية لإثبات مدعاها.
٢ ـ وقوع كثير من العلماء بأخطاء معتقداتهم بحيث يضطر البعض في مواقع عديدة للاعتراف بخطئه ويسعى لتصحيحه.
٣ ـ كما يجب إضافة أمر آخر إلى الأمرين السابقين وهو : إنّ التقدم والتطور السريع للعلوم الطبيعية في القرون الأخيرة حلَّ الكثير من ألغاز العالم وأسراره عن طريق التجربة الحسية ، وهذا الأمر قَوّى فكرة الاستناد إلى التجربة الحسية (في مجال المعرفة) فقط ، وألغى بقيّة الطرق.
ونقرأ في «تاريخ الفلسفة» : إنّ موضوعاً كهذا الموضوع سبب انكار الحقائق (الحسية وغير الحسية) من قبل السوفسطائيين في اليونان القديمة ، فمن جهة نظروا إلى اختلاف الفلاسفة ، ومن جهة اخرى نظروا إلى عوام الناس ، فبعضهم يؤيدون ادّعاء وكيلي المتنازعين في المحكمة ، ويعطون الحق لكلٍ من الطرفين وكأن كلا الطرفين على حق ، ولهذا قويت عندهم فكرة أن لا حقيقة واقعاً.
وهنا ينبغي الالتفات إلى عدة امور لرفع هذه الالتباسات :
الأمر الاول : هو وجوب فصل «الإدراكات البديهية» عن «النظرية» عند التحقيق في مسألة الإدراكات العقلية ، وذلك لأنّ الاخطاء لا تحصل في البديهيات ، فلا يشك أحد في أنّ الاثنين نصف الأربعة ، أو أن شيئاً لا يمكن أن يكون موجوداً ومعدوماً في آن واحد ومكان