البشر ولا ينسجم وحرية الإرادة والاختيار.
لكن الالتفات إلى نقطة في هذا المجال يرفع الإشكال بالكامل والنقطة هي :
إنَّ قولنا بوجود قوانين وسنن كلية معناه أن أعمال البشر الاختيارية (سواء الفردية منها أو الجماعية) لها مردودات وانعكاسات قهرية ، فمصير الأمم الصامدة والعارفة والمثابرة ـ مثلاً ـ هو النصر ، ومصير الأمم المشتتة والجاهلة هو السقوط والفشل.
هذه سنة تاريخية ، فهل أنّ مفهوم هذا القانون الكي هو أنّ الإنسان مجبور ، أم إنَّه تأكيد لتأثير ونفوذ إرادة الإنسان في تعيين مصيره؟
وهذا الأمر أشبه ما يكون بقولنا : إنّ الإنسان يموت إذا تناول سُمّاً ، وهذا المردود قهري ولا يتنافى واختيار الإنسان وأصل إرادته.
٦ ـ التاريخ في نهج البلاغة والروايات الإسلامية
بما أنّ نهج البلاغة كتاب عظيم ذا محتوى تربوي غني جدّاً ، وبما أنّ التربية بلا معرفة ، والمعرفة بلا تربية أمر محال ، فقد أكد هذا الكتاب على القضايا التاريخية كثيراً.
إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام عند حديثه عن الحوادث التاريخية يصورها وكأنّه يأخذ بأيدي الناس إلى مكان الحدث ويريهم فرعون وجنوده ويقتفون آثار مستضعفي بني اسرائيل ومن ثم يشاهدون غرقهم في نهر النيل.
إنّه يصور قوم نوح وقوم عاد وثمود تحت تأثير الدمار الشامل الذي خَلَّفَهُ الطوفان والصواعق والزلازل والحجر الذي أُمطروا به ، والناس يشاهدون أخذ هذه الامم الطاغية واللاهية مع قصورهم ومدنهم وبطغيانهم وهلاكهم في طرفة عين بحيث لم يبق إلّاآثار الخراب والصمت القاتل المهيمن عليها ، وكل من سَاحَ في نهج البلاغة مرَّ بهم ورجع بكنزٍ هائل من العلم والمعرفة والخبرة ، إنّ قدرة نهج البلاغة في تصوير الحوادث قدرة عجيبة حقاً ، وكذا الأمر عند بيانه لفلسفة التاريخ.