والآية السادسة والسابعة تحدثنا بعد الإشارة إلى خلق الإنسان عن تعليمه البيان وما لم يعلم.
(الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ). (العلق / ٤)
وعلى هذا فهو معلم البيان كما هو معلم بالقلم ، وهو معلم الإنسان ما لم يعلم ، وهذه التعاليم قد تكون تلميحاً إلى التعاليم الفطرية المودعة في باطن الإنسان بشكل معلومات ملخصة وأولية ، وقد تكون تلميحاً للوسائل والأسباب والمقدمات التي جعلها الله في الإنسان ، والتي تمكنه من اختراع اللغة والخط واكتشاف واقعيات الكون الاخرى.
وعلى المعنى الأول تكون الآيات شاهداً على بحثنا.
* *
أمّا الآية الثامنة في البحث فقد تحدثت عن دين الفطرة وأمرت الرسول بأن : (أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حِنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله).
الجميل هنا أن القرآن لم يذكر كون معرفة الله فطرية فحسب ، بل إنّ الدين بجميع أبعاده وجوانبه فطري.
والأمر كذلك بالضرورة ، وذلك لتنسيق الموجود بين جهاز «التكوين» وجهاز «التشريع» أي أنّ ما جاء مفصلاً في عالم التشريع ، جاء بصورة مجملة في عالم التكوين ، وعندما يتفق نداء الفطرة مع نداء الأنبياء والشريعة ، فإنّ هذا الاتفاق يجعل الإنسان في طريق الهدى.
وسنخوض تفصيلاً في هذا الموضوع عند بحثنا في التوحيد الفطري في المجلد الثاني إن شاء الله.
النتيجة :
طبقاً لما قرأناه ، فإنّ القرآن المجيد يعتبر «الفطرة» أو «الوجدان» مصدراً غنياً للمعرفة ، وقد دعا الجميع ـ بتعابير مختلفة ـ للالتفات إلى هذا المصدر لأهميّته البالغة.