٣ ـ الفطرة المذهبية ـ أنّ الإنسان يتعلم بعض القضايا والمسائل العقائدية من دون الاستعانة بمعلم أو استاذ كمسألة معرفة الله والمعاد وقضايا عقائدية اخرى يأتي شرحها في المجلد الثاني إن شاء الله.
والآية : (فَاذَا رَكِبُوا فِى الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخلِصيِنَ لَهُ الدِّينَ) تشير إلى هذا القسم من المعرفة الفطرية.
ولهذا السبب نرى الإيمان بمبدأ مقدس موجوداً على مرِّ العصور ، كما أنّ لدينا قرائن تثبت تجذّر هذا الإيمان عند الإنسان البدائي كذلك ولا يمكن اتساع هذا المعتقد واستمراره عند البشر عبر مرّ العصور إلّاإذا كان متأصلاً في فطرة الإنسان.
٤ ـ محكمة الوجدان : توجد في باطن الإنسان محكمة عجيبة يمكن تسميتها «القيامة الصغرى» ، تحاكم الإنسان على أعماله ، فتشجعه على الحسنات ، وتوبخه على السيئات ، ونجد هذه التشجيعات والعقوبات في باطننا جميعاً (بالطبع مع وجود اختلاف) ، وهي نفسها التي نقول عنها تارة : (إنّ ضميرنا راضٍ) ، وتارة : (إنّ ضميرنا يؤنبنا) إلى حدٍ حيث يسلب منا النوم ، بل قد يؤدّي ـ احياناً إلى نتائج مأساوية مثل الانتحار والجنون والابتلاء بأمراض نفسية ، والآية : (فَرَجَعُوا الَى انْفُسِهِمْ) تشير إلى هذا القسم.
٢ ـ هل توجد معرفة فطرية؟
بالرغم من أنّ الجميع يشعرون بشكل عام بوجود هذا المصدر في ذواتهم ، أي يشعرون بوجود مجموعة من الخطابات والالهامات ، أو بتعبير آخر وجود إدراكات لا تحتاج معلماً أو استاذاً ، إلّاأنّ بعضاً من الفلاسفة شكك في هذا المصدر ، وعلى العموم توجد ثلاث نظريات في هذا المجال :
(أ) نظرية الذين يعتقدون أن كل ما لدى الإنسان من معلومات موجود في باطنه ، وما يتعلمه في الدنيا ، يتذكره في الحقيقة ، لا أنّه يتعلمه من جديد! هذا ما نقل عن افلاطون واتباعه (١).
__________________
(١). يقول افلاطون : إنّ الروح قبل حلولها في البدن ودخولها في العالم المجازي كانت في عالم المعقولات ـ