فنبيّ منبّأ في نفسه لا يعدو غيرها ، ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ، ولم تبعث إلى أحد وعليه إمام مثل ما كان إبراهيم على لوط عليهالسلام ونبيٌّ يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك ، وقد أرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا كيونس عليهالسلام ... والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل اولي العزم وقد كان إبراهيم عليهالسلام نبياً وليس بإمام حتى قال الله (انِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِى) فَقَالَ اللهُ : (لَايُنَالُ عَهْدِى الظَّالِميِنَ) من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً» (١). (البقرة / ١٢٤)
٢ ـ ما هي حقيقة الوحي؟
لقد قرأنا وسمعنا الكثير عن حقيقة الوحي ، لكن رغم ذلك كله ، فإنّ معرفتنا لحقيقته غير ممكنة ، لعدم ارتباطنا بهذا العالم الغامض ، وحتى لو فسّره لنا الرسول بنفسه ، فانّه لا ينطبع شيء في أذهاننا عنه سوى شبح.
ومثل ذلك كمثل شخص بصير يريد أن يصف أشعة الشمس الجميلة ، وأمواج البحر الهائجة وأجنحة الطاووس الملوّنة والمنظر الخلّاب للورد وبراعم الحديقة الخضراء. لشخص ولد أعمى ، وقد تحصل صور مبهمة ومشوشة لهذه المخلوقات عند الأعمى إلّاأنّ إدراك صورها الحقيقية فهو أمر مستحيل.
لكننا نستطيع توضيح الوحي عن طريق آثاره وأهدافه ونتائجه ، ونقول : إنّ الوحي هو الالقاء الإلهي الذي يتمّ بهدف تحقيق النبوة والتبشير والانذار ، أو نقول : إنّه نور يهدي به الله من يشاء ، أو نقول : إنّه وسيلة الإرتباط بعالم الغيب وإِدراك معارف ذلك العالم ، ولهذا السبب نرى القرآن يتحدث عن آثار الوحي لاعن حقيقته.
وينبغي أن لا نعجب من هذا الأمر ، وأن لا نتخذ عدم إدراك حقيقة الوحي دليلاً على عدم الوجود ، أو نفسره بتفاسير مادية جسمية ، فإنّ في عالم الحيوانات التي نعدها في مستوى
__________________
(١). اصول الكافي ج ١ ، باب طبقات الأنبياء.