لقد عجزنا عن المعرفة الدقيقة لحواس الحيوانات الغامضة ، بل وحتى عن معرفة أسرار وجودنا ، لذا لا يمكننا سوى ادعاء معرفة قسم من هذه الأسرار فقط.
فلماذا ـ إذن ـ هذا الاصرار كله على تبرير ظاهرة الوحي في اطُر القوانين العلمية المكتشفة ، بل ينبغي القول : إنّ الوحي حقيقةٌ شاهدنا آثارها ولم نطلع على ذاتها وحقيقتها.
٤ ـ فرضية كون الوحي غريزة
طرح بعض المفكرين الإسلاميين المتأثرين بأفكار العلماء الغربيين فرضية اخرى في مجال الوحي تختلف في الظاهر عن الفرضيتين السابقتين إلّاأنّها تتفق معهما جوهرياً.
وقد بُنيت هذه الفرضية على الاصول الآتية :
١ ـ إنّ «الوحي» لغة يعني النجوى بهدوء ، واستعملت في القرآن بمفاهيم عدة تشمل أنواع الهدايات الغامضة ، بدءً بهداية الجمادات والنباتات وانتهاءً بهداية الإنسان عن طريق الوحي.
٢ ـ إنّ الوحي نوع من أنواع الغريزة ، وهداية الوحي ليس إلّاهداية غريزية.
٣ ـ إنّ الوحي هداية الإنسان من وجهة نظر جماعية ، أي أنّ المجتمع الإنساني بما هو كتلة واحدة ، له مسير وقوانين وحركة ، فيحتاج للهداية ، ودور «النبي» في هذا المجال كدور الجهاز المتسلِم الذي يتسلم ما يحتاجه نوع البشر بشكل غريزي.
٤ ـ إنّ الأحياء تهتدي في مراحلها الاولى بواسطة الغريزة ، وكلما تكاملت ونما حس التصور والفكر عندها ، كلما نقصت قدرة الغريزة فيها ، وفي الحقيقة فإنّ الحس والتفكير يستخلفان الغريزة ، وعلى هذا الأساس فالحشرات لها غرائز أكثر وأقوى ، والإنسان أقل غرائزاً بالقياس إلى الحيوانات الأخرى.
٥ ـ إنّ المجتمعات البشرية (من وجهة نظر اجتماعية) تسير دائماً في طريق التكامل وتتّجه نحوه ، فكما أنّ الحيوانات في مراحل حياتها الابتدائية كانت تستند إلى الهداية