والتي يتعطّل فيها العقل والفطرة والعين والاذن عن العمل بالكامل ، فيهوي الإنسان إلى مستوى الأنعام بل أضلّ.
والآية تلميح إلى فريق من أهل النار وكأنهم خلقوا لأجلها لا لشيء آخر : (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّايُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّايَسْمَعُونَ بِهَا أُولئِكَ كَالْانْعَامِ بَلْ هُمْ اضَلُّ اولئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
وعليه ، فانهم فقدوا (هويتهم الإنسانية) ، وأغلقوا أبواب الرجوع على أنفسهم ، فهووا من قمم السعادة السماوية المعدة لهم إلى شقاء جهنم التي أُعدت لأولئك الذين غلقوا جميع أبواب المعرفة على أنفسهم ، وهو مصير صنعتهُ نفوسهم وذنوبهم وعصيانهم.
النتيجة الأخيرة :
إنّ في القرآن الكريم نماذجاً كثيرة تشبه الآيات الأربع عشرة التي ذكرناها في أول هذا الفصل ، وانتخبنا هذه الأربع عشرة للمواصفات التي تتحلى بها ، وقد انتهينا إلى حقيقة واضحة وهي أنّه قد تعرض آفات لمصادر المعرفة بالخصوص العقل والفطرة والحس ، وبعض تلك الآفات خفيفة طفيفة ، وبعضها شديدة ، وبعضها بدرجة من الشدة حيث تترك الإنسان في ظلمات مطلقة تمنعه من استيعاب أوضح الحقائق الحسية.
وقد سعينا لمتابعة هذا الانحراف التدريجي لجميع مراحله مع الاستشهاد بآيات القرآن ، ولا ندعي أنّ الترتيب الطبيعي لهذا الانحراف هو نفس الترتيب الذي جاء في الآيات عيناً ، بل نقول : إنّ الآيات المذكورة قد بيّنت نفوذ الآفات في جميع المراحل.
وما أجمل تعبير القرآن في هذا المجال ، وما أدقه؟ فتارة يتحدث عن العوامل الخارجية مثل «تزيين الشيطان» وتارة يتحدث عن انحراف القلب والفكر ، وأُخرى عن صدأ القلوب ، وحيناً عن تحول هذا الانحراف إلى مرضٍ مزمن.
وحيناً عن الأكنة المجعولة على القلوب.