يحسبه صاحبه علماً ، ولا يصغي لمن أراد ايقاظه من غفلة الجهل هذه ، ولهذا فإنّ شخصاً كهذا يظلُّ جاهلاً جهلاً مركباً إلى أبد الدهر.
إذا كان الخطاب موجهاً لجاهلٍ «جهلاً بسيطاً» أي لا يعلم ويعلم أنّه لا يعلم ، ومستعد في نفس الوقت لقبول نداء الحق والهداية ، فإنّ الأمر اتجاهه بسيط ، والحجاب المانع يطبع على القلب عندما يكون الجهل مركباً وممتزجاً بروح العناد وعدم التسليم لنداء الحق.
وقد نقل في بعض التفاسير شعر جميل لشاعر عربي يقول فيه :
قال حمار الحكيم يوماً |
|
لو تنصفوني لكنتُ أركب |
لأنّني جاهل بسيط |
|
وصاحبي جاهل مركب(١) |
* *
وتشير الآية الثانية إلى فريق من الغافلين الذين صدر حكم العذاب بحقهم وذلك لجهلهم وعنادهم وأنّهم ليسوا أهلاً للهداية.
ثم صوّر القرآن الحُجُب التي قد تحيط العقل تصويراً عجيباً حيث قال : (إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنَاقِهِم أَغْلَالاً فَهِىَ الى الْاذْقَانِ فَهُمْ مُّقْمَحُونَ* وَجَعَلْنَا مِنْ بَينِ أَيدِيهِم سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُم فَهُمْ لَايُبْصِرُونَ). (يس / ٨ ـ ٩)
إنَ عبارة (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً) إشارة إلى الحجب التي تحول دون رؤية آيات الأفاق والكون.
إنّ الأغلال التي جاءت في الآية قد تكون إشارة إلى الحجب التي تحول دون رؤية آيات الأنفس ، والأسوأ من هذا كله هو جعل الغشاوة على الأبصار بحيث لا إمكان للرؤية ، وهي ستار الغفلة والجهل والغرور.
وبديهي أنّ أشخاصاً كهؤلاء مع كل هذه الحجب ، سواء أنذرهم الرسول أم لم ينذرهم وسواء سمعوا آيات القرآن من شفاه محمد صلىاللهعليهوآله الطاهرة أم لم يسمعوا ، فهُم لا يؤمنون ولا
__________________
(١). تفسير روح المعاني ، ج ٢١ ، ص ٥٥ ذيل الآية ٥٩ من سورة الروم.