إنّ التقليد هو غض الطرف عن التخصص الذي يمتلكه الإنسان واتباع شخص آخر اتباعاً بدون قيد أو شرط ، فالمسلّم أنّ التقليد من قبل شخصٍ قادرٍ على التحقيق والاجتهاد أمر مذموم وغير صحيح ، ولهذا لم يُجِزْ الفقه الإسلامي للمجتهدأن يكون مُقلِّداً.
ويتضح مما قلنا فلسفة تقليد المجتهدين في المسائل الفقهية من قبل غير المجتهدين ، ومثل هذا دارج في جميع الفروع العلمية ، وبما أنّ الفقه الإسلامي واسع إلى درجة حيث لا يمكن للناس جميعاً أن يجتهدوا ، فجميع أبوابه والتحقيق فيها تعيّن على فريق منهم الاجتهاد بالفقه ، وعلى الناس اتباعهم ، إلّاأنّ الأمر يختلف عنه في اصول الدين ، فيتعين التحقيق والاجتهاد فيها على كل مسلم ، وذلك لإمكانية ذلك ، فلا يجوز التقليد فيها.
* *
٢ ـ شروط التقليد الممدوح
عادة ما يقال في تعريف «التقليد» أنّه عبارة عن قبول كلام الآخرين بلا دليل ، وتارة يوسعون المفهوم ويعتبرون الاتباع العملي تقليداً من دون الالتزام بحديث أو كلام للآخرين ، وتارة يعدون التأثيرات اللا إرادية (التي تتركها أعمال وسلوك وصفات الآخرين عند الإنسان) قسماً من التقليد.
بالطبع أنّ القسم الأخير من التقليد (الذي يتحقق بشكل غير ارادي) خارج عن موضع بحثنا ، أمّا القسم الثاني والثالث ، فيمكن أن يكونا ممدوحين إذا ما توفر شرطان في «المقلَّد» ـ أو مرجع التقليد ـ وهما : الخبرة والصدق ، أي كونه من أهل العلم أولاً ، وينقل ما يوحي إليه علمه بصدقٍ ثانياً ، وإذا ما انتفى هذان الشرطان دخل التقليد القسم المذموم.
ومن جهة اخرى ، ينبغي أن يكون موضوع التقليد من مواضيع الاختصاصات كي يباح التقليد فيه ، أمّا إذا كان من المسائل العامة التي يمكن للناس كافة الخوض والتحقيق فيها (مثل اصول الاعتقادات وبعض المسائل الأخلاقية والاجتماعية غير ذات الجانب