جمع الآيات وتفسيرها
لِمَ يحجب الذنبُ القلوبَ عن الفقه؟
إنَّ الآية الاولى بعد إشارتها إلى تاريخ وقصص خمسة أقوام من الأقوام السالفة وهم (قوم نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب) حيث نزل عليهم العذاب الإلهي لتكذيبهم آيات الله ، قالت : (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ ...).
إنّ جملة (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرينَ) لا تشير إلى أي كافر كان ، وذلك كثيراً من المؤمنين كانوا في صفوف الكفار والتحقوا بصفوف المؤمنين بعد سماعهم لدعوة الأنبياء ، فالمراد ـ إذن ـ ذلك الفريق من الكافرين الذين ألحوا وأصروا على كفرهم ، فان كفرهم هذا يحول دون معرفتهم ورؤيتهم للحق.
والشاهد على هذا الكلام هو قوله : (فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) أي أنّ تعصبهم بلغ درجةً لا تسمح لهم بتغيير طريقتهم والرجوع عن الباطل إلى الحق ، وقد ذكرت خمسة وجوه في تفسير هذه الجملة في تفسير الميزان والفخر الرازي (١) ، إلّاأنّ أظهرها هو ما تقدم اعلاه.
والآية الثانية بعد ما أشارت إلى سلوك فريق من اليهود وعدائهم للأنبياء قالت : (فَبَما نَقْضِهِمْ مِّيْثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ ...).
يقول القرآن : إنّهم لا يفقهون شيئاً وذلك لكفرهم فطبع الله على قلوبهم من جراء ذلك.
بديهي أنّ المراد من الكفر هنا هو الكفر المتزامن مع العناد ، والكفر المتزامن مع العداء للأنبياء ، والكفر المتزامن مع نقض المواثيق باستمرار والاستهزاء بآيات الله ، ومسلم أن كفراً كهذا يجعل حجاباً على عقل الإنسان لا يسمح لصاحبه أن يدرك الحقائق ، وهذا شيء صنعته أيديهم ولا جبر في البين.
ويظهر أنّ مرادهم من «قلوبنا غلف» هو الاستهزاء بآيات الله وبشخصية موسى بن عمران ، لا أنّهم يعتقدون أنّ قلوبهم خُلِقت مغلَّفةً لا تفهم الحقائق (كما جاء ذلك في بعض
__________________
(١). تفسير الميزان ، ج ٨ ، ص ٢١٥ ؛ تفسير الكبير ، ج ١٤ ، ص ١٨٦.