* *
وتحدثت الآية الثانية عن فريق من المنافقين المعاندين حيث أُشير إليهم في الآيات السابقة بصفة عمي القلوب ، وإذا تسلموا زمام الحكم ما رحموا صغيراً ولا كبيراً ، واعتبرهم الله الملعونين والمطرودين من رحمته ، وقال فيهم هنا : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) لا قفل واحد بل أقفال ، فكيف يمكنهم إدراك الحقائق؟ (محمّد / ٢٤)
هناك بحث بين المفسرين في أنّ «أم» متصلة أو منفصلة (١) ، فاذا كانت متصلة يكون المعنى هكذا : أفلا يتدبرون القرآن أو أن هناك اقفالاً على قلوبهم؟ وأما إذا كانت منفصلة فالمعنى هكذا : أفلا يتدبرون القرآن؟ كلا ، بل إنّ اقفالاً على قلوبهم.
وعلى كلا المعنيين فالآية دليل على وجود تضاد بين «التدبر» و «الحجاب على القلوب» ، ويمكن القول : إنّ الآية تشير إلى حجاب ترك التدبر.
وقد جاء في تفسير (في ظلال القرآن) : «تدبر القرآن طبقاً لهذه الآية يزيل الغشاوة ، ويفتح النوافذ ، ويسكب نور المعرفة على القلوب ، ويحرك المشاعر ، ويستجيش القلوب ، ويخلص الضمير ويجدد الروح ويجعلها اكثر صفاءً واشراقاً» (٢).
وقد جاء بعض المفسرين بدليلين لذكر القلوب نكرة في الآية ، الأول : أنّها ذكرت نكرة لبيان حال قلوبِهم المروّع ، وأنّها قلوب مجهولة مليئة بالقساوة والظلمات.
الثاني : إنّ المراد هو بعض القلوب لا كلها ، لأنّ بعضهم لم يصلوا إلى تلك الدرجة من الظلمات بحيث تقفل قلوبهم وتتوقف عن إدراك الحقائق.
وذكر الأقفال بصيغة الجمع إشارة إلى الحجب المختلفة التي تجعل على قلوبهم مثل حجاب النفاق والعناد والغرور وحب النفس وغيرها.
كما ينبغي الإشارة إلى هذه النقطة وهي : إنّ بين «ترك التدبر» و «حجاب القلب» تأثيراً متبادلاً ، فكلٌّ منهما يمكنه أن يكون علة للآخر في مرحلة ومعلولاً له في مرحلة اخرى ،
__________________
(١). ينقل الآلوسي في روح المعاني عن سيبويه أنّها متصلة ، بينما ينقل عن ابي حيان وفريق آخر أنّها منفصلة (ج ٢٦ ، ص ٦٧).
(٢). تفسير في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ٤٦٢.