إلّا أنّ ظاهر الآية يكشف عن أنّهم في البداية آمنوا حقاً ، ثم كفروا بعد ايمانهم ، وكان كفرهم هذا متزامناً مع النفاق ، لأنّ التعبير ب «ثم» يدل على أن كفرهم حصل بعد الإيمان لا أنّه كان متزامناً مع الإيمان ليكون أحدهما ظاهراً والاخر خفياً ، وعلى هذا فالآية تتحدث عن حجاب الارتداد.
ولا عجب في أن يطبع الله على قلب من آمن وذاق طعم الإيمان وحلاوته ، وشاهد أنوار الرسالة ، ثم كفر كفراً تزامن مع النفاق.
إذا التبس الحق على شخص منذ البداية فعذره يمكن أن يكون وجيهاً ، أمّا إذا ارتد عن الإيمان بعد ما عرف الحق وآمن به ، فهذا غالباً ما يكشف عن حالة العناد عند هذا الشخص ، والله يسلب نعمة المعرفة عن أشخاص كهؤلاء ويطبع على قلوبهم.
بالطبع لا دليل لنا على أنّ كل المنافقين كانوا غير مؤمنين منذ البداية ، بل إنَّ فريقاً منهم آمنوا في البداية حقاً ثم ارتدوا كما جاء ذلك في الآية : (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسلامِهِمْ). (التوبة / ٧)
وهذا النفاق المتزامن مع العناد هو الذي يجعل حجاباً على القلوب.
ونؤكد تارة اخرى أنّ هذا الحديث لا يدل على الجبر اطلاقاً ، لأنّ مقدّمات هذا الحرمان أوجدها المنافقون بأنفسهم.
٦ ـ حجاب الكذب والافتراء
في البداية نلاحظ خاشعين الآيات الكريمة التالية :
١ ـ (لَمْ تَرَ الَى الَّذِينَ اوتُوا نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ الَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الَّا أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِى دِينِهِمْ مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ). (آل عمران / ٢٣ ـ ٢٤)
٢ ـ (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا انْ مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَافْئِدةً