جمع الآيات وتفسيرها
شجار أصحاب النار :
إنّ الآية الاولى تبيّن حال فريق من الكفار عندما يرون نتيجة أعمالهم عند الله ، فيقولون : (رَبَّنَا انَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَظَلُّونَا السَّبِيلَا) ، فما كنا نُبتَلى بهذا المصير لولاهم ، ثم يقولون : (رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ) (عذاباً لكفرهم وعذاباً لأنّهم أضلونا) (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً).
فهم لا يريدون سوى تبرير أعمالهم بكلامهم هذا ، صحيح أنّ لرؤسائهم دوراً في انحرافهم ، لكن هذا الأمر لا يسلب عنهم المسؤولية تجاه أعمالهم.
وصحيح أنّ وسوسة القادة المفسدين والزعماء الضالين والمضلين جعلت حجاباً على عقولهم وأفكارهم فحال دون تفكيرهم الصحيح ، إلَّاأنّ مقدّمات هذا الأمر هم هيأوها بأنفسهم لأنّهم سلموا أنفسهم عشوائياً إلى هؤلاء من دون احراز أهليتهم للقيادة.
وهناك خلاف بين المفسرين في الفرق بين سادتنا وكبراءنا ، أو بالأحرى هل هناك فرق بينهما أم لا؟
يعتقد البعض أنّ «سادتنا» إشارة إلى ملوك وسلاطين المدن والدول ، «وكبراءنا» إشارة إلى الرؤساء المحليين ، حيث عُدت طاعة السادة مكان طاعة الله ، وطاعة الكبراء مكان طاعة الرسول ، فقدرة وصلاحية الفريق الأول أكثر من الفريق الثاني ولهذا قُدِّم.
ويعتقد البعض أنّ السادة إشارة إلى الملوك وأصحاب القدرة ، والكبراء إشارة إلى كبار السن ، ولهذا يتبعهم بعض الناس.
ويعتقد آخرون أنّ كليهما بمعنى واحد وأنّهما قد وردا للتأكيد (١).
ويبدو أنّ المعنى الأخير أنسب من جميع المعاني السابقة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ «سادة» جمع «سيد» والسيد يعني رئيس السواد (أي الجمع الغفير من الناس ، وقد اطلق عليه سواداً من باب أنّه يبدو أسود اللون من بعيد) ثم اطلقت
__________________
(١). راجع تفسير روح المعاني ، ج ٢٢ ، ص ٨٧ ؛ تفسير الميزان ، ج ١٦ ، ص ٣٦٩ ؛ الكبير ، ج ٢٥ ، ص ٢٣٢.