كما صرح بعض آخر : إنّ «العدو» تطلق على المفرد والمثنى والجمع (١).
والآية السادسة هي من آيات سورة محمد صلىاللهعليهوآله التي أُشير فيها إلى حجب متعددة من حجب المعرفة ، فتارة تعدّ الفساد في الأرض وقطع صلة الرحم سبباً للعمى الباطني لهم الآية ٢٣ ، وتارة اخرى تعد ترك التدبر في القرآن بمثابة الأقفال على القلوب.
والآية المذكورة تعدُّ تزيين الشيطان وتسويلاته سبباً لارتداد الضالين ، حيث يتبين لهم الحق ويؤمنون به أولاً ، ثم ينحرفون عنه من جراء تسويلاته وتزيينِهِ لهم إلى درجة يفتخرون فيها بضلالتهم الأخيرة.
من هم المشار إليهم في الآية؟
هذا ما بحثه المفسرون وانقسموا من جرائه إلى فريقين ، فبعض يقول : إنّهم اليهود ، حيث كانوا مؤمنين بالرسول صلىاللهعليهوآله قبل ظهوره وذلك لوجود العلامات المذكورة في كتبهم عن ذلك الرسول ، ثم سلكوا سبيل العناد والمخالفة له بعد ظهوره ، ويُعدُّ هذا نوعاً من الارتداد. وبعض يقول : إنّها تشير إلى المنافقين الذين آمنوا في البداية ثم ارتدوا بعد ذلك ، أو أنّهم آمنوا ظاهراً وهم كافرون باطناً ، لكن مع الالتفات إلى كون الآيات التي سبقت هذه الآية والتي تليها ناظرة إلى المنافقين ، لا يبعد أن تكون هذه الآية تشير إليهم كذلك فالمراد من الآية ـ إذن ـ المنافقون الذين آمنوا في البداية ثم ارتدوا بعد ذلك.
إنّ «أملى لهم» من مادة «املأ» أي الإِمهال (٢) ، والمراد منها هو الآمال البعيدة التي يوحيها الشيطان للإنسان ، الآمال التي تشغل فكر الإنسان وتزين له الباطل وتبعده عن الحق.
* *
أمّا الآية السابعة والأخيرة فقد أنذرت الناس ـ بتعبير وافٍ ـ بأن وعد الله حق ، ثم ذكر
__________________
(١). تفسير المنار ، ج ٨ ، ص ٥.
(٢). ينبغي الالتفات هنا إلى أنّ أصل هذه المادة هو (مَلْو) لا (مَلأَ) ـ بالهمزة ـ.