جمع الآيات وتفسيرها
اتقوا كي يسطع نور العلم على قلوبكم!
يقول الله عزوجل في الآية الاولى : (ذلِكَ الْكِتَابُ لَارَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) والتعبير هذا يثبت بوضوح تأثير التقوى على المعرفة كمؤهل لها.
وهذه هي الحقيقة ، فما لم تحصل في باطن الإنسان مرحلة من مراحل التقوى ، لا يمكنه الاستفاضة من ينابيع الكتب السماوية ، وأقل التقوى هو أن يسلم الإنسان نفسه إلى الحق ويترك العناد ، فإنّ الذين يفتقدون هذه المرحلة من التقوى ، سوف لا يرتفعون إلى أدنى درجة من درجات المعرفة ولا يتقبلون الهداية أبداً.
طبيعي أنّ الإنسان كلما كانت روح التقوى والتسليم إلى الحق وقبول الحقائق والواقعيات قوية عنده كانت استفاضته من ينبايع الهداية أكثر.
إنّ ينابيع الهداية وعلى رأسها القرآن المجيد كالغيث الذي يحيي الأرض ويفتح أزهار المعرفة فيها ، وهذا يحدثُ في الأرض الخصبة فقط لا في كل أرض.
إنّ التعبير بـ «هدى» أي بصيغة المصدر ، تأكيد لحقيقة أنّ روح التقوى إذا استيقظت عند الإنسان وأصبحت فعالة ، فإنّ القرآن سيصبح الهداية ذاتا (تأمل جيداً).
وفي هذا المجال يقول بعض المفسرين العظام :
«إنّ الهداية الثانية لما كانت بالقرآن فالهداية الاولى قبل القرآن وبسبب سلامة الفطرة ، فإنّ الفطرة إذا سلمت لم تنفك من أن تنتبه شاهدة لفقرها وحاجتها إلى أمرٍ خارج عنها ، وكذا احتياج كل ما سواها ممّا يقع عليه حس أو وهم أو عقل إلى أمر خارج تقف دونه سلسلة الحوائج ، فهي مؤمنة مذعنة بوجود موجود غائب عن الحس ، منه بدأ الجميع وإليه ينتهون ويعودون ، وأنّه كما لم يهمل دقيقة من دقائق ما يحتاج إليه الخلق كذلك لا يهمل هداية الناس إلى ما ينجيهم من مهلكات الأعمال والاخلاق وهذا هو الاذعان بالتوحيد والنبوة والمعاد وهي اصول الدين» (١).
__________________
(١). تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٤٢.