«اين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى والأبصار اللامحة إلى منار التقوى» (١).
٥ ـ ونختم حديثنا بحديث ذي معنى عميق عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله حيث قال : جاء في وصيّة الخضر لموسى عليهالسلام : «يا موسى وطِّن نفسك على الصبر تلق الحلم واشعر قلبك التقوى تنل العلم وَرَضّ (روّض) نفسك على الصبر تخلص من الإثم» (٢).
٢ ـ كيفية الارتباط بين ينابيع العلم والتقوى؟
ما هو تأثير التقوى واجتناب الذنوب وترك التلوث بها على مسألة المعرفة؟ وبتعبير آخر : ما هي العلاقة المنطقية بين العلم والأخلاق؟
في الحقيقة أنّ لهذين الاثنين علاقة تقارب قوية ، وأي علاقة أقرب وأوثق من العلاقة المتبادلة بين هذين الاثنين؟ فالتقوى ينبوع العلم ، كما أنّ العلم ينبوع التقوى ، وليس هذا بأمر طبيعي فحسب بل إنّه أصل أساسي للسير في طريق المعرفة.
فيمكن الاستدلال على تأثير التقوى على العلم بالطرق التالية :
أ) إنّ السنخية والتنسيق تسببان الجاذبية والإرتباط دائماً.
فعندما تتطهر روح الإنسان وتزكى بالتقوى تحصل جاذبية قوية بينها وبين المعارف والعلوم الحقيقية «فالسنخية تبعث على الإرتباط العجيب».
ب) إنّ منجل التقوى يحصد جميع الأشواك من مزرعة روح الإنسان ، ويُعدّ القلب وبهيئه لنمو بذور العلم والمعرفة ، بل إذا دققنا النظر فإنّ بذور العلوم جميعها قد بذرها الله في هذه المزرعة ، والمهم في الأمر هو حصد الأعشاب المزاحمة وإرواء المزرعة.
وقد جاء في حديث للمسيح عليهالسلام مخاطباً فيه أنصاره قائلاً :
«ليس العلم في السماء فينزل اليكم ، ولا في تخوم الأرض فيصعد عليكم ، ولكن العلم
__________________
(١). نهج البلاغة ، خطبة ١٤٤.
(٢). منية المريد للشهيد الثاني (ينقل عن بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ٢٢٧).