إلى أنّ الآية صرحت في النهاية : (انَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) نعم إنّ العلماء هم الذين يدرسون أسرار الكون ويتفحصونها واحدة تلو الاخرى ، وهم الذين تكون معرفتهم السابقة أرضية خصبة لمعارفهم الأكثر والأدقّ.
* *
وقد تحدثت الآية الثانية عن مجاميع صغيرة مفسدة تعيش في «وادي القرى» بين قوم صالح (على ما يقوله المفسرون) ، وكان عددهم تسعة رهط (أي مجموعات صغيرة) ، وكانوا يفسدون في الأرض دائماً كما يصفهم القرآن الكريم : (وَكَانَ فِى الْمَدِيْنَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ). (النّمل / ٤٨)
أمهلهم الله كثيراً كفرصةٍ للتوبة والرجوع إلى أنفسهم ، لكن ما زادهم الأمهال إلّاغروراً ، وكان نهاية أمرهم أن أنزل اللهُ عليهم صاعقة من السماء ، وزلزلة من الأرض ختمت حياتهم.
يقول القرآن فيهم : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيةً بِمَا ظَلَمُوا) أي خالية منهم بسبب ظلمهم وطغيانهم.
ثم يضيف : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
إنّ عبارة : «بِمَا ظَلَمُوا» تدل على أنّ الظلم هو السبب في دمار البيوت وخرابها ، وقد نُقِل عن ابن عباس أنّه قال : إنّي وجدت هذه الحقيقة في كتاب الله وهي : إنّ الظلم يهدم البيوت ، ثم تلا الآية المذكورة.
وقد جاء في التوراة : «يابن آدم لا تظلم فيُهدم بيتك» (١).
وينبغي الالتفات هنا إلى أنّ مفردة «خاوية» تعني ـ في الأصل ـ خالية ، إلّاأنّ كثيراً من المفسرين فسرها بالخربة ، وهذا قد يكون لأجل أنّ البيت إذا خلى وهُجِر خرِبَ وانهدم (٢).
__________________
(١). تفسير روح المعاني ، ج ١٩ ، ص ١٩٤.
(٢). ذكر صاحب تفسير روح البيان معنيين لمادة (خوى) أحدهما الخلو والثاني السقوط والانهدام ، ومن هنا يعبر ـ