والتفسير الآخر للآية هو : أنّ المسلمين يجب أن ينقسموا إلى قسمين : قسم يبقى في المدينة ليحافظ عليها ، وقسم يذهب إلى ميدان الجهاد ليُشاهدَ آثار العظمة الإلهيّة والمعجزات والامدادات الغيبية والنصر الإلهي ، ثم وبعد رجوعهم يُخبروا سائر الناس بذلك.
وهناك احتمال ثالث في تفسير الآية وهو ضرورة نفير بعض سكان ضواحي المدينة إليها ليتفقهوا في أحكام الدين وتبليغها للآخرين عند الرجوع ، ومكث البعض الآخر في تلك المناطق لحفظ نظام الحياة هناك (١).
ولكلِّ تفسير ميزة لا توجد في التفسير الآخر (٢).
ولكنْ بغضّ النظر عن الاختلاف في التفاسير ، فإنّ ما نسعى لإثباته ـ وهو وجوب التعلم والتعليم ـ ثابت بلا منازع ، وتأكيد القرآنِ على هذين الواجبين دليل واضح على إمكان وضرورة المعرفة (٣).
* *
٤ ـ العلمُ والمعرفة هما الهدف من خلق العالم
(اللهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَموَاتٍ وَمِنَ الْارْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْامْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا انَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَىْءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْماً). (الطلاق / ١٢)
لقد شرحنا المراد من السماوات السبع والأرضين ما فيه الكفاية في التفسير «الأمثل»(٤).
__________________
(١). تفسير الكبير ، ج ١٦ ، ص ٢٢٥ ؛ تفسير الميزان ، ج ٩ ، ص ٤٢٧ ؛ تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٨٣.
(٢). في التفسير الأول مرجع الضمير في جملة (ليتفقهوا) و (لينذروا) اسم محذوف والتقدير هو «وتبقى طائفة» ، وهذا فيه حذف ، والحذف يعتبر خلاف الظاهر. بينما (نفر) جاء بمعنى الجهاد هنا ، هذه نقطة قوة التفسير الأول. في التفسير الثاني مرجع الضمير مذكور وهو (طائفة) ، لكنّ الثاني ضعيف لأنّ ميدان الجهاد ليس محلاً للتعلم إلّابالتوجيه الذي ذكر ، وفي التفسير الثالث يقدر المحذوف ، لكنه يتفق مع الروايات التي تفسر النفير (بالهجرة للتفقه في الدين). «ذكر في تفسير الثقلين ٩ روايات في هذا المجال».
(٣). يقول الإمام الصادق عليهالسلام : «لوددتُ أن اصحابي ضربتُ رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا» (اصول الكافي ، ج ١ ، ص ٣١).
(٤). بالنسبة للسموات السبع يرجع إلى ، ذيل الآية ٢٩ من سورة البقرة وبالنسبة للارضين السبع إلى ذيل الآية ١٢ من سورة الطلاق.