٢٣ ـ العلم والتزكية
(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). (البقرة / ١٢٩)
ما ورد في الآية الكريمة الذي يعد بمثابة دعاءٍ دَعا به «إبراهيم» و «إسماعيل» عليهماالسلام في ضمن أدعية دعيا بها الله ، يكشف بوضوح عن العلاقة الوثيقة بين «العلم والحكمة» من جهة ، و «التزكية والتربية» من جهة اخرى وقد تقدم العلم هنا على التزكية.
لكن في الآيتين التاليتين واللتين تناولتا منهج الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بعد البعثة ، تقدمت التزكية على العلم فيهما ، حيث يقول الله تعالى هناك :
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبينٍ). (آل عمران / ١٦٤)
كما أنّ الآية الثانية من سورة الجمعة تشبه الآية المتقدّمة مضموناً.
الظاهر أنّ الاختلاف في التعبير حين يقدم العلم على التزكية تارة والتزكية على العلم تارة اخرى ناشىءٌ من التأثير المتبادل بين هذين الاثنين ، فإنّ العلم مصدر التربية الأخلاقية ، والتربية الأخلاقية تصلح لأنّ تكون في ـ بعض مراحلها ـ مصدراً للعلم.
وعلى هذا ، فكل منهما يهيىء الأرضية للآخر ، وهذا هو معنى التأثير المتبادل للعلم والتزكية (وسيأتي شرح هذا الموضوع في بحث مؤهلات المعرفة إن شاء الله) (١).
٢٤ ـ علاقة العلم بالصبر
(وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً). (الكهف / ٦٨)
هذا الحديث نطق به العالم الرباني (الخضر) مخاطباً به موسى بن عمران ، عندما سأله أن
__________________
(١). يقول أمير المؤمنين في حديث له حول العلم : «ومن ثمراته التقوى ، واجتناب الهوى ومجانبة الذنوب». (بحار الأنوار ، ج ٧٨ ، ص ٦).