إنَّ التعبير بـ «تجهلون» أي بصيغة المضارع الذي عادة ما يدل على الاستمرار ، يوضح أنّ «الجهل المستمر» كان منبع الشرك وعبادة الأصنام ، وفي الحقيقة إنَّ تعاضد ثلاثة أنواع من الجهل ولدت هذه الحالة الاجتماعية ، وهي : الجهل بالله وبأنّه لا كفو ولا مثيل له ، والجهل بمقام الإنسان وأنّه أشرف المخلوقات ، والجهل بالطبيعة وأنّه لا قيمة للجمادات في قبال موجود كالإنسان.
ترى! كيف سمح الإنسان لنفسه أنْ يجعل قطعة من الحجر اقتطعت من الجبل تارة في درجات السلّم في منزلة يسحقها بأقدامه ، وتارة يصنع منها صنماً يركع ويسجد له ويطلب منها حل مشكلاته الكبرى؟ ، يعدون هذا جهلاً (١)؟
٣١ ـ الجهل السبب الأساسي للفشل
(يَا ايُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنينَ عَلَى الْقِتَالِ انْ يَكُنْ مِّنْكُمْ عِشْرونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِأَتَيْنِ وَانْ يَكُنْ مِّنْكُمْ مِأَةٌ يَغْلِبُوا الْفاً مِّنَ الَّذينَ كَفَرُوا بِانَّهُمْ قَوْمٌ لَّايَفْقَهُونَ). (الأنفال / ٦٥)
الظاهر أنّ الآية ناظرة إلى معركة «بدر» وعدم تساوي عدد المشركين والمؤمنين فيها ، وهي تنفي اسطورة توازن القوى ، كإيعاز إسلامي إلهي تأمر الآية بعدم التراجع في المعركة حتى لو كان عدد جنود الإسلام عُشْرَ جنود العدوّ! لكن الذي يسدُّ النقص الكمي في القوات الإسلامية ـ كما تصرح الآية ـ هو شيئان : الأول هو الصبر والاستقامة والثبات عند المؤمنين ، والثاني هو جهل وحماقة الأعداء.
وهذا يدل بوضوح على أنّ الاستقامة والصبر هما الطريق للنصر ، وأنّ الجهل هو سبب الخسران والفشل.
الجهل بالقابليات والطاقات الإلهيّة المودعة في ذات الإنسان.
__________________
(١). يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : «الجاهل لا يرتدع ، وبالمواعظ لا ينتفع». (غرر الحكم ، ج ١ ، ص ٦٨). ويقول الإمام الصادق عليهالسلام : «ليس بين الإيمان والكفر إلا قلّة العقل». (اصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٨).