يقتنعون بتقليدهم الأعمى ، ولهذا نعتهم ابراهيم عليهالسلام بأنهم وآباءهم في ضلالٍ مبينٍ.
إنّ ابراهيم عليهالسلام في بقية محاكمته التاريخية لعبدة الأصنام في بابل يقول : (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَايَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ)؟! ثم يضيف (أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). (الأنبياء / ٦٦ ـ ٦٧)
يعني أنّ هذا التقليد الأعمى ناشيءٌ عن عدم التعقل والتأمل وهو نابع من الجهل ، ودليله واضح ، فإنّ ذوي العلم يتمتعون باستقلال فكري ، واستقلالهم الفكري هذا لا يسمحُ لهم بالتقليد الأعمى ، بينما الجاهلون تراهم مرتبطون بهذا وذاك وبشكل أعمى فيتبعون الآخرين على غير بصيرة.
٣٦ ـ الجهل عامل الخلاف والفرقة
(لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَميعاً الّا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ اوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُم جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِانَّهُمْ قَوْمٌ لَّايَعْقِلُونَ). (الحشر / ١٤)
إنَّ كلمة «قرى» تعني جمع «قرية» ومعناها الأماكن المعمورة أعم من الأرياف والمدن ، وقد تطلق على مجموعة يسكنون في مكانٍ ما ، و «قرىً محصَّنةٍ» تعني المناطق الآمنة من العدو بسورٍ أو ابراج أو خنادق أو غيرها.
إنَّ هذه الآية تتحدث عن طائفة «بني النضير» (إحدى ثلاث طوائف يهودية تقطنُ المدينة) حيث تكشف عن فزعهم وخوفهم الباطني واختلافهم وفرقتهم ، فتصرح الآية للمسلمين : إنّكم تحسبونهم جميعاً ومتحدين لكنّ الواقع أنّ شملهم متفرق بسبب جهلهم وعدم معرفتهم.
إنّ الاختلاف ينشأ عن الجهل ، والاتحاد ينشأ عن المعرفة دائماً ، فالجاهلون لا يجهلون الأخطار الجسيمة للفرقة ، ولا يجهلون فوائد الاتحاد وبركاتِهِ فحسب ، بل يجهلون اسس التعايش السلمي ، واسلوب التعاون وشروط النشاطات المشتركة ، وهذه المسألة أدّت بهم إلى الاختلاف والفرقة.