والآية الثامنة بعد أن بينت أحكام إرث الأولاد والأب والأم في حالات مختلفة ذكرت : حتى أنفسكم لا تعلمون أيّاً من الأب والأم أو الأولاد أنفع لكم؟ وأيهم أحق بأموالكم كي يخصص له سهم أكثر.
نعم ، لستم على بينة بمصالحكم الشخصية ، لهذا السبب لا تستطيعون أن تسنّوا قوانين دقيقة تليق بمقام الارث وغيره ، إنّ المُقنّن يجب أن يكون الهاً محيطاً بِكل أسرار الوجود ، نعم ، إنّ قصور علم البشر بدرجة لا يستطيع أن يسن قوانين تحافظ على مصالحه ، ولهذا نرى أنّ القوانين البشرية في حالة تغيير دائمي ، فإذا كان الإنسان يجهل مصيره إلى هذا الحد ، فكيف به تجاه الموجودات الاخرى الموجودة في الكون؟
وأخيراً ، فإنّ الآية التاسعة والأخيرة في البحث هذا تحدثت عن العلم الإلهي اللامتناهي ، وصوّرت اللانهاية في الأذهان بحيث يستطيع حتى الذي لم ينل من العلم إلّا القليل بل وحتى الأُمي أن يرسم في ذهنه صورة عنها ، بالرغم من صعوبة تصور اللانهاية حتى للعلماء ، حيث قالت : لو أنّ ما في الأرض من شجر يصير أقلاماً رغم أن الأشجار قد يصل عددها إلى مليارات (بل قد يُصنع الملايين من الأقلام من شجرة واحدة : وبالرغم من أنّ حوضاً صغيراً قد يملأ الملايين من الدواة فكيف بالمحيطات والبحار ، وإضافة إلى هذا كله ، لو اجتمعت الملائكة وكُتاب الانس والجن على أن يكتبوا بهذه الأقلام وهذا الحبر كلمات الله وعلمه ما استطاعوا وسوف تنصرم الأقلام وينتهي الحبر وما زالت كلمات الله جلّ جلاله وعلومه في بداية الدفتر ، هذا من جهة.
ومن جهة اخرى فأنّنا نعلم أنّ المراد من كلمات الله هو الكائنات الموجودة في العالم ، وعلى هذا فالآية دليل واضح على سعة العالم وقصور علم البشر.
* *
نتيجة البحث :
إنّ ما يستخلص من الآيات السابقة هو أنّ معرفة الإنسان وعلومه رغم سعتها بحدّ ذاتها