وقد تحدثت الآية الخامسة عن التعليم الإلهي بواسطة القلم ثم أشارت بشكل عام إلى تعليم الإنسان للمسائل التي يَجهلُها إذ يقول تعالى : (الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الانْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ).
قد يكون التعليم الإلهي بواسطة القلم إشارة إلى القراءة والكتابة التي حدثت لأول مرّة على أيدي الا نبياء عليهمالسلام (١) ، أو لأنَّ الله تباركَ وتعالى قد أوْجَدَ هذا الذوق والقابلية لدى الإنسان هدايةً فطرية حيثُ اْبتُدِعَ بعد اتضاحِ القراءةِ والكتابةِ ، فبدأت مرحلة ما بعد التاريخ مع إيجاد الخط (حيث نعلمُ أنّ الفاصل الزمني بين مرحلتي ما قبل التاريخ وما بعد التاريخ هي مسألة اكتشاف الخط).
على أيّةِ حالٍ ، فقد حصلَ التعليمُ بالقلم عن طريق الهدايةِ الإلهيّة.
ويُمكن أن تكون جملةُ (عَلَّمَ الانْسَانَ مَالَمْ يَعلَمْ) إشارة إلى العلوم الفطرية المختلفة التي أودَعَها الله تعالى فكر الإنسان ، المتضمنة لإدراك القُبحِ والحُسْن ، والفجور والتقوى وكذلك القضايا البديهية التي تكون أساساً للقضايا النظرية في العلوم الاستدلالية ، والاطّلاع على قواعد الدين واصول الأحكام الإلهيّة أيضاً.
* * *
وفي الآية السادسة بَعْدَ أن يَنسِبَ تعليمَ القرآن إلى الله الذي هو مصدرُ جميع الرحمات والكرامات ، يتحدثُ عن خلقِ الإنسان ويقول : (خَلَقَ الانْسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ).
ولـ «الْبَيان» : مفهومٌ عامٌ حيثُ يُطلقُ على كلِّ شيءٍ موضِّح كأنواع الاستدلالات العقلية ، والمنطقية التي تُبينُ المسائلَ المعقدَّة ، أو الخط والكتابة ، أو الكلام الذي يعد من ابرز مصاديقه.
وقد اعطى المفسرون احتمالاتٍ كثيرة في تفسير «البيان» ، فقد اعتبرها فريق منهم
__________________
(١) نقل عدةٌ من المفسرين أنّ آدم عليهالسلام كان أول من كتب بواسطة القلم (تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٧٢١٠ ؛ وتفسير روح البيان ، ج ١٠ ص ٤٧٣).